في بيته لما به من الهمّ والحياء، فأنزل الله سورة المنافقون في تصديق زيد وتكذيب عبد الله بن أبي. فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد، وقال له: إن الله قد صدقك وأوفى بأذنك. وجاء قوم إلى عبد الله فقالوا له: قد نزل فيك آي شديد، فاذهب إلى رسول الله يستغفر لك فلوى رأسه ثم قال: أمرتموني أن أؤمن فآمنت، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فأعطيت فما بقي إلّا أن أسجد لمحمد. فأنزل الله وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ. ولما بلغوا المدينة منع عبد الله بن عبد الله بن أبي أباه من دخولها، وقال له والله لن تدخلها إلّا بإذن رسول الله، ولتعلمن اليوم من الأعزّ من الأذلّ فجاء إلى رسول الله شاكيا ابنه فأرسل رسول الله إلى عبد الله بن عبد الله: أن خلّ عنه حتى يدخل «١» .
ولسنا نرى في هذا السياق مهما كان طويلا ما لا يتسق إجمالا مع الواقع ومع روح الآيات. وقد روته المصادر القديمة. ومنها ما رواه رواة عدول، فسجل بعضه البخاري ومسلم والترمذي في مساندهم. وكل ما يمكن أن يلحظ فيه ما جاء من أن آية وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ قد نزلت بناء على رفض ابن سلول حينما نزلت الآيات الأخرى أن يذهب إلى رسول الله يستغفر له.
والمعقول أن يكون بعض الناس اقترحوا عليه قبل نزول الآيات أن يذهب إلى النبي معتذرا مستغفرا فأبى، فحكت الآيات هذا الموقف فيما حكته واحتوت
(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والبغوي وابن كثير والطبرسي والخازن والزمخشري والتاج ج ٤ ص ٢٣٥- ٢٣٦. رواية البخاري ومسلم والترمذي وطبقات ابن سعد ج ٣ ص ١٠٤- ١٠٧ وابن هشام ج ٣ ص ٣٣٤- ٣٣٧ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٢٦٠- ٢٦٤ ومعظم النص منقول عن تاريخ الطبري وتفسير البغوي. وهذا نصّ الحديث الذي رواه الشيخان والترمذي عن جابر قال «كنّا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال الأنصاري يا للأنصار. وقال المهاجر يا للمهاجرين فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال ما بال دعوى الجاهلية. قالوا يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال دعوها فإنها فتنة فسمع بذلك ابن أبي فقال فعلوها. أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقام عمر فقال يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» .