بالإضافة إلى ذلك استطرادا إلى تقرير واقع المنافقين جميعهم والتنديد بهم وإنذارهم والتحذير منهم وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه على النحو الذي شرحناه، وبالأسلوب القوي الرائع الذي جاءت به.
ولقد كانت الأقوال الصادرة من زعيم المنافقين خطيرة جدا، بل لعلها أشد ما صدر عن المنافقين خطورة وقحة وكيدا وصراحة على ملأ من الناس. ولذلك كانت الحملة عليهم متناسبة في شدتها مع هذه الخطورة، واقتضت حكمة التنزيل أن تفرد من أجل ذلك سورة خاصة.
ومن الممكن أن يلمح في الآيات أن المنافقين كانوا معتدّين بأنفسهم وشاعرين بقوتهم نوعا ما برغم ما حكته عنهم من توكيد للنبي بإيمانهم برسالته.
وهو ما كانوا يفعلونه في مختلف المناسبات والمواقف على ما مرت منه أمثلة عديدة وبخاصة في سورة النور السابقة لهذه السورة. ومثل هذا ملموح في الفصول التي احتوتها سور النور والنساء والأحزاب.
ومع خصوصية الآيات الزمنية والموضوعية فإن جملة وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ التي جاءت مطلقة تظلّ مستمرة التلقين بما يوجده الإيمان في نفس المؤمن من القوة وتظل كذلك مستمرة فيض يستمد منه المسلمون شعور العزة ويحفزهم إلى إباء كل ضيم وهوان واعتبارهما متنافيين مع ما قرره لهم القرآن من عزة وكرامة واستعلاء.
هذا، ولقد احتوت الآية [٣] تعليلا صريحا لطبع قلوب المنافقين وهو كونهم كفروا بعد إيمانهم نتيجة لسوء نيتهم وخبث طويتهم. وهذا متسق مع ما جاء في المناسبات المماثلة بالنسبة للكفار والمتكبرين مثل وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ [النساء: ١٥٥] وكَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ ...
[الأعراف: ١٠٠] وكَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر: ٣٥] بحيث يزول بذلك ما قد يتبادر من وهم بسبب ما جاء في بعض الآيات من إطلاق مثل إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [البقرة: ٦- ٧] .