الحطم بن هند البكري أحد بني قيس بن ثعلبة أتى النبي صلى الله عليه وسلم وحده وخلف خيله خارج المدينة فدعاه إلى الإسلام فقال انظروا (انتظروا) لعلي أسلم ولي من أشاوره ثم خرج ومرّ بسرح من سرح المدينة فساقه. ثم أقبل من عام قابل حاجا قد قلّد وأهدى فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه، وفي رواية قال له ناس من أصحابه خلّ بيننا وبينه فإنه صاحبنا- أي الذي أخذ سرحنا- فقال إنه قد قلد. قالوا إنما هو شيء كنا نصنعه في الجاهلية فأبى عليهم ولم تلبث الآية أن نزلت «١» . وإلى هذه الرواية فإن ابن كثير يروي عن زيد بن أسلم أن المسلمين قد اشتد عليهم صدّ المشركين لهم عن البيت يوم الحديبية فمرّ بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نصدّ هؤلاء كما صدّنا أصحابهم فأنزل الله الآية.
وروى البغوي عن ابن عباس ومجاهد أن المشركين كانوا يحجون ويهدون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنهاهم الله عن ذلك في الآية.
وقد أورد الطبري أقوالا عديدة عن السدّي وقتادة وابن عباس ومجاهد في تأويل جملة يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً تفيد أنها في صدد المشركين وأنها تعني أنهم كانوا يلتمسون بحجهم فضل الله ورضوانه فيما يصلح لهم دنياهم ومعايشهم ويترضونه.
وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الصحاح. ويلحظ (أولا) أن الآية احتوت نهيا عن أمور عديدة. (وثانيا) أن جملة يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً تلهم بقوة أكثر أنها في صدد حجاج مسلمين رأوا فيما تمّ من صلح الحديبية فرصة للذهاب إلى مكة بقصد العمرة أو الحج وقد أقرهما القرآن وفرضهما على المسلمين. فأراد بعضهم أن يصدّهم ويثبط عزيمتهم بأسلوب فيه عدوان ما. (وثالثا) أن في الآية أمرا لا صلة له بالروايات وهو ما احتوته جملة وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا.