للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وننبه على أن بعض المفسرين «١» رووا عن بعض التابعين أن جملة آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً قد عنت المسلمين. وهو ما قلنا إن فحواها يلهم ذلك بكل قوة..

وعلى كل حال فالمتبادر من فحوى الآية وروحها أنه بدا من بعض المسلمين حركة فيها إخلال بحرمة الحج وتقاليده التي منها حرمة الأشهر الحرم وحرمة الهدي الذي يهدى إلى الله من الأنعام مقلدا بالقلائد أو مشعرا بجرح ليسيل دمه علامة على ذلك حسب العادات القديمة. وفيها عدوان على الحجاج أو منعهم من الحج والعمرة بقصد إلحاق الضرر بأهل مكة انتقاما منهم لأنهم صدوهم عن المسجد الحرام يوم الحديبية فاقتضت حكمة التنزيل إنزال الآية متضمنة ما تضمنته من أوامر ونواه وتنبيهات مطلقة وعامة ورائعة على النحو الذي شرحناه قبل.

وبالإضافة إلى هذا فإنه يلحظ وجود مشاركة بين الآية الأولى والثانية حيث احتوت الأولى نهيا عن الصيد في حالة الحرم وإباحة له بعد التحلل من هذه الحالة. وهذه المشاركة قد تدل على ارتباط الآيتين ببعضهما ظرفا ونزولا وموضوعا. وإذا صحّ هذا وهو ما نرجوه إن شاء الله جاز القول إن جملة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ قد تضمنت حثا على وجوب الوفاء بما تمّ بين المسلمين وأهل مكة من صلح أو مهادنة وعدم الإتيان بما يخلّ في ذلك.

وقد ينطوي في الآية الثانية بل في الآيتين معا على ضوء ما قلناه أنهما نزلتا بعد صلح الحديبية بمدة قصيرة. وقد يكون هذا هو المبرر لجعل ترتيب السورة بعد سورة الفتح.

والتحلل من حالة (الإحرام) الذي عبر عنه بالجملة وَإِذا حَلَلْتُمْ إما أن يكون أثناء أشهر الحج وإما أن يكون بعد انتهاء مناسك الحج جميعها وبعد الوقوف في عرفات. وما كان أثناء أشهر الحج يكون بعد زيارة الكعبة فقط وهي المسماة


(١) انظر تفسيرها في الزمخشري ورشيد رضا والقاسمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>