٣- يروي الطبري عن بعض أهل التأويل إباحة التزوج بالذميات دون الحربيات «١» وعن بعضهم أن الآية عنت أهل الكتاب الذين كانوا كذلك حين نزولها فلا تشمل من دخل في دينهم بعدها. وعن بعضهم أن الوصف هو في صدد الواقع السابق وأن الإجازة هي في صدد التزوج بالكتابية إذا أسلمت فلا يجوز التزوج بها وهي على دينها. وعن بعضهم إناطة الإجازة بتمسك الكتابيين بشرائعهم وهذا يشمل المرأة وأهلها بالدرجة الأولى. وعن بعضهم إجازة التزوج بالكتابيات غير العربيات فقط. وعن بعضهم أن الآية مطلقة تجيز التزوج بالحرائر من الكتابيات بدون قيد ولا تفريق ولا زمن. ولم نطلع على أثر نبوي في سياق هذه الأقوال حيث تكون على الأرجح اجتهادية. ومن المحتمل أن بعضها أي التي لا تجيز التزوج بالكتابية وهي على دينها مستلهمة من آية سورة البقرة [٢٢١] التي تنهى عن التزوج بالمشركات ومن آية سورة الممتحنة [١٠] التي تنهى عن التمسك بعصم الزوجات الكافرات. وأهل الكتاب يعدون كفارا لأنهم يجحدون رسالة النبي. وقد يعدون من ناحية ما مشركين لأن اليهود يقولون العزير ابن الله والنصارى يقولون المسيح ابن الله أو أن الله ثالث ثلاثة أو أن المسيح هو الله. غير أن جمهور المفسرين والفقهاء فهموا أن الآية هي في صدد جواز تزوج المسلم بالكتابية وهي على دينها بحيث يمكن القول إن في الآية تقييدا لآية البقرة والممتحنة وجعلهما قاصرتين على المشركات والوثنيات.
٤- ونستطرد إلى القول إن بعض المتمحلين يقولون إنه ليس في القرآن نصّ على تحريم زواج المسلمات من الكتابيين. وهذا مردود. أولا بأن الآية بإباحتها زواج المسلمين بالكتابيات فقط قد انطوى فيها حصر ذلك في هذه الناحية. وثانيا
(١) الذمّيات هن اللائي تحت السلطان الإسلامي في البلاد الإسلامية. والحربيات هن اللائي من أهل بلاد خارجة عن سلطان الدولة الإسلامية. وقد نعتن بالحربيات لأن الدول المجاورة للدولة الإسلامية في زمن الخلفاء الراشدين والدولة الأموية والدولة العباسية كانت في حالة حرب مع الدولة الإسلامية ساخنة أو متوقفة بهدنة. ومن الجائز والمعقول أن تكون بلاد غير إسلامية ليس بينها وبين الدول الإسلامية حالة حرب وعداء. فتكون إجازة التزوج من كتابياتها واردة بل وأولى بطبيعة الحال.