بأن الآية في احتوائها جملة مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ قد قصدت تنبيه رجال المسلمين إلى أن هذه الإجازة مشروطة بأن يكون هدفهم الإحصان لا المسافحة ولا المخادنة اللتين كان النساء الكتابيات متعرضات لهما أكثر حيث ينطوي في هذا أيضا حصر الإجازة في رجال المسلمين. وثالثا باتفاق المسلمين على ذلك منذ العهد النبوي بدون خلاف ... وهناك حديث أورده المفسر القاسمي ومرويّا عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أحلّ لنا ذبائح أهل الكتاب وأحلّ لنا نساؤهم. وحرّم عليهم أن يتزوجوا نساءنا» والحديث لم يرد في الصحاح. ولكن القاسمي عالم في الحديث. والحديث بعد متوافق مع روح الآية بل وفحواها.
وحكمة المنع ظاهرة فالرجل بطبيعته هو القوّام على الزوجة وهو ربّ الأسرة وإليه ينسب النسل. فالخوف منتف من وجهة نظر الشريعة الإسلامية أو كالمنتفي من تأثير الأم الديني. واحتمال الانتفاع بمزاياها واندماجها في الإسلام هو الأقوى.
وهذا خلاف للحالة إذا ما عكست. وقد يضاف إلى هذا اعتبار مهم آخر. وهو أن المسلم يحترم أنبياء الكتابيين وكتبهم فليس للكتابية أن تشعر بحرج من التزوج به لأنها مطمئنة على احترامه لما تقدسه. في حين أن الكتابي لا يعترف بنبي المسلمة ولا بكتابها وبالتالي لا يحترمهما فيكون عليها حرج من التزوج به، لأنها لا تكون معه مطمئنة على ما تقدسه.
٥- ويلحظ أن آية النساء [٢٤] نبهت على وجوب استهداف الإحصان وإنشاء الأسرة وعدم قصد قضاء الشهوة أو المسافحة وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ. ولقد تكررت هذه العبارة في الآية التي نحن في صددها حيث يلمح في ذلك قصد توكيد هذا الأمر في حالة التزوج بالكتابيات أيضا وبالتالي عناية التنزيل القرآني بهذا الهدف الاجتماعي ووجوب ملاحظته في كل الحالات. والإخلال بهذا الهدف في حالة التزوج بالكتابيات أكثر توقعا فكان من الحكمة توكيده في هذا المقام مع زيادة مهمة وهي وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ أي لا يكون ذلك بقصد المخادنة. أي المخاللة. والفرق بين هذا والمسافحة أن المسافحة قد تكون عابرة وأن المخادنة قد تكون دائمة.