متداولا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعم ما قلناه قبل.
والأسلوب القرآني للقصة يدل بوضوح على أنها إنما جاءت للعظة والتذكير وهو الهدف الجوهري الذي استهدفه القرآن دائما في قصصه. وقد استهدفت آيات القصة فيما استهدفته كما هو المتبادر بيان كون الله عزّ وجل الذي يعلم نوايا الناس في أعمالهم وسلوكهم إنما يتقبل من المتقين ذوي النوايا الحسنة والرغبات الصادقة ويشملهم برضائه، ثم بيان ما ترتب على حادث عدوان الأخ على أخيه بغيا من حكم رباني عام كتبه على بني إسرائيل بأن الذي يقتل نفسا بغير حق وبقصد الفساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا. ومن عفا عن دم نفس وحماها فكأنما أحيا الناس جميعا. ثم التنديد ببني إسرائيل على عدم ارعوائهم وارتداعهم عن الإسراف في البغي والفساد برغم ما أرسله الله إليهم من رسله بالبينات.
ويتضح من إنعام النظر في هذه الأهداف أنها عامة الشمول لمختلف الأمم وفي مختلف الظروف. وهي والحالة هذه شاملة لبني إسرائيل ولغيرهم وبخاصة للمسلمين الذين يجب عليهم اتخاذ ما جاء في القرآن من عظات وتلقينات هديا لهم ونبراسا. ولقد روى ابن كثير أن سائلا سأل الحسن البصري من علماء التابعين هل هذه الآية لنا كما هي لبني إسرائيل؟ فقال: إي والذي لا إله غيره. وما جعل الله دماء بني إسرائيل أكرم من دمائنا.
وينطوي في جملة مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً عظات اجتماعية بالغة. فالنفس الواحدة تمثل النوع في جملته. ومستحلّ دمها مثل مستحلّ دم كل نفس أو جميع النفوس. وكذلك الأمر في احترام وحماية دم النفس الواحدة. وفيها تقرير لوحدة البشرية وإيجاب حرص كل إنسان على حياة المجموع واجتنابه ضرر كل فرد. وإيجاب التكافل والتضامن بين البشر في كل ذلك كما قال السيد رشيد رضا. وفيها بالإضافة إلى ذلك تعظيم دماء البشر على بعضهم وتعظيم عقوبة المجترئ عليها وتعظيم ثواب من يحترمها ويحميها كما قال الطبري.