هذا في آية في سورة التوبة فيها صراحة بأنها في صدد أعداء مشركين ناكثين للعهد وهي هذه فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) وهذا متمثل بأسلوب آخر في آية سورة الأنفال هذه قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ [٣٧] وقد يكون في هذه الآية بخاصة تدعيم لما تبادر لنا من أن الآيات في صدد كفار أعداء.
ولقد كان زعماء بني النضير اليهود حينما أجلوا عن المدينة مع قبيلتهم ذهبوا إلى خيبر وتزعموا يهودها وأخذوا يحرضون قبائل العرب المشركين على النبي والمسلمين ويغرونهم بغزو المدينة. وقد ذهبوا إلى مكة فحرضوا قريشا أيضا وأدى هذا إلى زحف قريش والأحزاب على المدينة. ولقد استمروا على حركاتهم العدوانية بعد وقعة الأحزاب والتنكيل ببني قريظة أيضا مما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يزحف على خيبر ووادي القرى وينكل بأهلها وبزعماء بني النضير بعد صلح الحديبية مع قريش على ما شرحناه في سياق تفسير سور الحشر والأحزاب والفتح. فمن الجائز أن تكون هذه الآيات بل وما قبلها في صدد ذلك وأن تكون نزلت قبل أن يزحف النبي عليهم. والله أعلم.
وقد يلحظ أن العقوبات في الآية الأولى غير اعتيادية. ونميل إلى القول إنها أسلوبية بسبيل تعظيم ما كان من اليهود وزعماء بني النضير من حركات فساد وتأليب وعدوان وما كان من ذلك من خطر على المسلمين وكيانهم.
وعبارة مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ في الآية ندم الأعداء الكفار وتوبتهم صدقا عن موقفهم قبل الانتصار عليهم ووقوعهم في الأسر. وينطوي في هذا مبدأ من مبادئ الجهاد في الإسلام. وتمثل التسامح الإسلامي السامي في كل المواقف المماثلة من حيث إنه يوحي بالإغضاء عما كان منهم قبل إسلامهم ما دام أنهم أسلموا من أنفسهم وقبل القدرة عليهم. وينطوي في هذا تقرير كون إصلاح الناس هو من الأهداف الرئيسية التي يهدف إليها القرآن ورسالة الإسلام ومبادئ الجهاد معا. ومن الحقّ أن ننبّه في هذه المناسبة على أن ما قلناه لا يعني أن لا تقبل توبتهم