أي إسلامهم بعد القدرة عليهم. فإن هذا من المقررات القرآنية المحكمة المتكررة بحق كل إنسان مهما عظمت جرائمه وإن وروده في حالة التوبة قبل القدرة هنا كان متناسبا مع الحالة المذكورة في الآيات كما هو المتبادر. وآية سورة التوبة التي أوردناها آنفا لم تشترط التوبة قبل القدرة وجاءت مطلقة لتشمل قبول التوبة قبل القدرة وبعدها كما هو المتبادر أيضا. والله أعلم.
ومع ما قلناه من أن القرائن تدلّ على أن الآيات في صدد كفار أعداء وفي صدد مواقف اليهود العدوانية والفسادية فإن أئمة «١» التأويل والفقه رأوا على ما ذكره الطبري وغيره من المفسرين في صيغة الآيتين التشريعية التامة والمطلقة ما جعلهم يعتبرونها شاملة للمسلمين أيضا بالإضافة إلى الكفار ويصوغون لها قواعد فقهية بعنوان (الحرابة) ويرونها قابلة للتطبيق على لصوص المسلمين المجاهرين بلصوصيتهم المصرّين على ذلك وبخاصة في الصحراء والمكابرين في الفسق والفجور والحاملين للسلاح على إخوانهم المسلمين والقاطعين للسبل والمخيفين للناس مسلميهم وذمييهم والمعتدين على أموالهم وأملاكهم وأعراضهم بالإرهاب والقوة. وقد يكون فرض ظهور أفراد ينتسبون إلى الإسلام يقترفون مثل هذه الأفعال الإرهابية واردا ويكون تطبيق العقوبات الواردة في الآية الأولى عليهم وتسمية أعمالهم باسم (الحرابة) سائغا. غير أن قبول التوبة منهم قبل القدرة عليهم وهو ما تضمنته الآية الثانية يعني فيما يعنيه إسقاط قصاص القتل عنهم إذا قتلوا وحدّ القطع إذا سرقوا وحدّ الرجم والجلد إذا زنوا وهدر ما أحدثوه من جراحات ودمروه من أملاك ونهبوه من أموال. ولا يصح أن يفرض سواغ ذلك بالنسبة لمسلم تحت السلطان الإسلامي حيث يكون على هذا السلطان واجب مصادرتهم وتعقبهم وإيقاع العقوبات والحدود عليهم.
وسياق الطبري وغيره يفيد أن هذه النقطة مما خطرت للفقهاء والمؤولين
(١) انظر تفسير البغوي وابن كثير والطبرسي والزمخشري والنسفي حيث رووا كلهم أقوالا وأوردوا كلاما وقواعد في هذا النطاق.