فاختلفوا فيها. فمنهم من قال إن التوبة التي يقبلها السلطان هي بالنسبة للكفار فقط حيث يسقط عنهم بالإسلام كل ما كانوا فعلوه إذا ما تابوا وأسلموا قبل القدرة عليهم وأن على السلطان أن يقيم الحدود على المسلمين إذا ما ارتكبوا جرائم ضد النفوس والأعراض والأموال. ومنهم من قال إن على السلطان أن يقبل التوبة من المحارب المفسد سواء أكان كافرا أم مسلما إذا ما تاب قبل القدرة عليه. وأورد هؤلاء خبر حوادث وقعت في خلافة عثمان وعلي رضي الله عنهما حيث خرج بعض المسلمين فحملوا السلاح وسفكوا الدماء ونهبوا الأموال ثم أعلنوا توبتهم وطلبوا الأمان فأعطي لهم ولم يعاقبوا على ما فعلوه. كما أوردوا في معرض ذلك ما وقع في الردة في زمن أبي بكر رضي الله عنه حيث كان يعفو عن الذين كانوا يتوبون ويعودون إلى لواء الإسلام وسلطانه دون محاسبتهم عما وقع منهم في أثناء الردة ونحن نرجح القول الأول ونقول في ما جاء من تعليلات القول الثاني إن الأحداث كانت في سياق فتنة عامة وليست فردية شخصية وأنها لا تصحّ أن تورد في معرض ما نحن فيه وأن المسلم الذي يرتكب جرائم غير عادية فيها قتل نفس وقطع سبيل وإخافة الناس وعدوان على أموالهم وأعراضهم يجب أن يكون موضع تطبيق لحدود الله ولو تاب قبل اعتقاله أي القدرة عليه وإن كل ما يمكن أن يكون في حال توبته هو احتمال عفو الله له إذا ما أقيمت عليه الحدود واستردت منه الأموال. والله أعلم.
وقد يقال إن المسلم قد يرتدّ إلى الكفر ثم يرتكب الجرائم الموصوفة وهو كافر ثم يتوب قبل القدرة عليه. وواضح أن هذا المجرم لا يكون قد احتفظ بصفة المسلم ويصبح حكمه حكم كافر أو مرتد تقبل توبته إذا ما تاب وعاد إلى الإسلام قبل القدرة عليه. ولقد عزا الطبري إلى بعض الفقهاء والمؤولين قولا في صدد مثل هذا مفاده أن على الإمام أن يستردّ ما في يده من مال الناس ويردّه إلى أصحابه وأن يقيم عليه حدّ القتل إذا طلب ولي قتيل بدم قتيله وأقام البينة عليه إذا ما كان ذلك عملا شخصيا وليس في سياق حرب عامة. وهذا وجيه وقد يصح أن يطبق حتى على الكافر أصلا. وأن ينحصر سقوط ما يقع من جرائم من الكافر في الجرائم