على بني قريظة لأنهم أشرف منهم وفاقا لتقاليد الجاهلية فأبى فنزلت الآية. والرواية الأخيرة رويت في مناسبة الآيات [٤١- ٤٣] أيضا على ما ذكرناه قبل. وليس شيء من هذه الروايات واردا في الصحاح.
والمستلهم من روح الآيات ومضمونها ونظمها وعطفها على ما قبلها أنها وحدة تامة نزلت معا وأنها استمرار في السياق السابق وأسبابه وتعقيب عليه وغير منفصلة عنه لمناسبة جديدة أو مستقلة مع استثناء الآيتين [٤٦ و ٤٧] من السياق اللتين جاءتا استطراديتين. وأنها استهدفت تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم في موقفه والتسرية عنه وتحذيره من تدليس اليهود وتهويشهم كما استهدفت التنديد بهم.
ومما يلهمه روح الآيات ومضمونها أن الحكم الذي كان يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم به بإلهام الله في القضية التي رفعت إليه أو أريد رفعها إليه كان مغايرا لما في التوراة فاتخذ اليهود ذلك وسيلة للمشاغبة والتهويش على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أثنى بلسان القرآن على التوراة وأعلن أكثر من مرة أن القرآن جاء مصدقا ومؤيدا لها وأنه مأمور بالإيمان بما أنزل الله قبل القرآن، فاحتوت الآيات إيذانا بأن القرآن هو المرجع لكتب الله السابقة- وهذا يعني أن الكتب المتداولة في أيديهم والتي قد يكون بينها وبين القرآن مغايرة ليست عليه حجة- وأن الله تعالى قد جعل لكل أمة أو دور شرعة ومنهاجا ولم تقتض حكمته أن يجعل الناس أمة واحدة على سبيل التعليل والردّ والتوضيح.
ومما يلهمه روح الآيات وفحواها وبخاصة الأخيرة منها أن اليهود كانوا ينتظرون أو يرغبون أن يقضي النبي بينهم في القضية وفقا لتقاليد الجاهلية لأنها متطابقة مع أهوائهم- وهذا مما تضمنته الرواية المروية لنزول الآية الثالثة- فكان موقف النبي مخالفا لذلك وجاءت الآية لتندد بهم ولتهتف مستنكرة عما إذا كان يصح أن يكون حكم ما أحسن من حكم الله!.
ولقد تعددت الأقوال المنسوبة إلى ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن والسدي التي أوردها المفسرون في تأويل جملتي ومُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ