ووَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ حيث قيل في الأولى إنها بمعنى مؤيد لما قبله من الكتاب. أو متطابق معها. أو أن كل شيء فيه عنها هو الصدق والحق. وحيث قيل في الثانية إنها بمعنى الشاهد والرقيب والأمين والمؤتمن على الكتب السابقة وهناك من جعل الضمير عائدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث يكون كل ما تقدم صفة النبي ومهمته. مع التنبيه على أن الجمهور على أن الضمير عائد إلى القرآن، وهو الأوجه.
والمتبادر لنا أن الجملتين تعنيان في مقامهما أن القرآن قد جاء ليؤيد ما كان قبله من كتب الله ويتطابق معها ويكون على ما في أيدي أهل الكتاب منها الضابط والمرجع والرقيب. فما جاء في الكتب المتداولة في أيديهم المنسوبة إلى الله من أسس ومبادئ وتلقينات مطابقا لما جاء في القرآن من ذلك أو غير متناقض معه فيجوز أن تكون نسبته إلى الله تعالى صحيحة. وما جاء فيه ولم يكن فيها من ذلك يكون هو الحق. وهذا التوجيه مؤيد بما جاء في الآيتين [١٥ و ١٦] من هذه السورة ثم بما جاء في آية سورة النمل هذه إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وفي آيات سورة النحل هذه تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤) .
ويكون هذا الضابط بهذا المعنى هو ضابط العقيدة الإسلامية بالنسبة للكتب المتداولة التي تحتوي كلاما مبلغا عن الله بلسان أنبيائه. لأنه ليس بين الكتب المتداولة اليوم كتب يمكن أن يكون عليها وصف كتاب الله تعالى كما يصدق على القرآن المبلغ من النبي المنزل عليه مباشرة كوحي رباني المسجّل في وقت نزوله وتبليغه كذلك والمحفوظ كذلك من ذلك الوقت. في حين أن الكتب المتداولة قد كتبت بأقلام بشرية في أوقات مختلفة بعد مدة ما من الأنبياء فيها شذرات محكي تبليغها من الله تعالى مع شذرات كثيرة من أحداث الأنبياء وكلامهم وفيما هو محكي عن الله تعالى وأنبيائه فيها ما يتنزهون عنه، ويدل على أنه محرّف أو غير صحيح عنهم.