للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والميسر. حيث يصح القول بأن حالة العهد المدني صارت تتحمل هذه الخطوة الحاسمة إلى تحريم هذه الأفعال الضارة التي كان لها رسوخ شديد بين العرب ومتصلة بمصالحهم الاقتصادية في الوقت نفسه والتي اكتفي بسبب ذلك بالخطوات التمهيدية في صددها في آيتي البقرة والنساء.

ولقد قال بعض المتمحلين إن أسلوب الآيات أسلوب تحذير وكراهية أكثر منه أسلوب تشريع وتحريم حاسم. وحاولوا تأييد تمحّلهم بالقول بأن حدّ شارب الخمر ليس قرآنيا وإنما هو سنّة نبوية وراشدية متموجة المقدار. وليس من حدّ على لاعب الميسر. وهذا وذاك لا يقومان على أساس صحيح لا من حيث أسلوب الآيات ولا من حيث مضمونها. بل ومن الحقّ أن يقال إن أسلوبها ومضمونها احتويا قوة في التحريم. ويكفي أن يكون الخمر والميسر قد قرنا مع الأنصاب بالذكر للتدليل على ذلك. فإنه لن يسع أحدا أن يقول مثلا إن النهي عن الأنصاب التي كان يقيم المشركون طقوسهم الدينية ويقربون قرابينهم عندها هو من قبيل التحذير والكراهية وليس من قبيل التحريم الزاجر. ولقد أورد ابن كثير في سياق الآيات أحاديث عديدة رواها الإمام أحمد ذكر فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإهراق الخمر بعد نزول هذه الآيات. يضاف إلى هذا ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم- الذي أمر القرآن المسلمين بأخذ ما آتاهم والانتهاء عمّا نهاهم، كما أنه من الله- من أحاديث عديدة في تحريم كلّ مسكر وفي اعتبار كل مسكر خمرا وفي لعن شاربها وبائعها وحاملها وإنذار شاربيها ومستحليها ومسمى بعضها بأسماء أخرى بالنذر القاصمة. من ذلك حديث رواه أبو داود والترمذي عن ابن عمر وجاء فيه «قال النبي صلى الله عليه وسلم كلّ مسكر خمر وكلّ مسكر حرام» «١» وحديث رواه الخمسة عن عائشةو جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم «كلّ شراب أسكر فهو حرام» «٢» وحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن طارق الجعفي «أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها فقال: إنما أصنعها


(١) التاج ج ٣ ص ١٢٦- ١٣٠.
(٢) المصدر نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>