للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أين أبي يا رسول الله فقال له في النار، فقام عمر فقبّل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إنّا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك فاعف عنّا عفا الله عنك فسكن غضبه، وفي رواية قال رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبنبيّنا محمد رسولا وأعوذ بالله من سوء الفتن فنزلت الآية» .

وإلى هذا فإن الطبري روى عن ابن عباس أن الآيتين نزلتا بسبب سؤال بعضهم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام التي ورد ذكرها في الآية التي تأتي بعد الآيتين اللتين نحن في صددهما. وليس في كتب التفسير زيادة عما في كتاب الطبري.

ويتبادر لنا أن السؤال عن البحيرة وأخواتها لا يقتضي نهيا ولا إنذارا ولا غضبا من الله ورسوله. وهذا ما جعلنا نفرد الآيتين عن الآيات التالية لها. إلا أن يقال إن السؤال أورد في مناسبة أو في صيغة غير لائقة والله تعالى أعلم.

ويلحظ أن الأحاديث التي يرويها البخاري ومسلم والترمذي متباعدة إلّا أن يقال إن من الجائز أن يكون كل ما ورد فيها كان يحدث حتى كثرت الأسئلة بدون مناسبة وضرورة وكان منها ما هو غير لائق في مداه أو صيغته فوقف النبي صلى الله عليه وسلم موقف الغاضب ونزلت الآيات ناهية منذرة معلمة.

ومهما يكن من أمر فالآيتان كما هو متبادر من فحواهما بسبيل التحذير من اللجاجة والمواقف والأسئلة المثيرة التي قد يكون لها نتائج ضارة وسيئة لأصحابها وغيرهم. وفي هذا ما فيه من تلقين تأديبي وتعليمي رفيع مستمر المدى.

ولقد روى مسلم عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن أمر لم يحرّم فحرّم على الناس من أجل مسألته» «١» وروى البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» «٢» . ولقد أورد ابن كثير والقاسمي حديثا عزاه


(١) التاج ج ٤ ص ٩٥.
(٢) المصدر نفسه (كتاب التفسير سورة الحشر) . وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بشيء من المغايرة وهي «ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم» وأورده البغوي والزمخشري بشيء من الزيادة وهي «فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» .

<<  <  ج: ص:  >  >>