القرآن بأسلوب خاطف لا بيان فيه على سبيل التذكير والاستطراد على ما يلهمه أسلوب الآيات وفحواها. ولا بدّ من أنها كانت معروفة في الوسط الذي كانت تتلى فيه لأن هدف القرآن التذكيري إنما يتحقق بذلك. وعلى كل حال فالإيمان بما أخبر القرآن به من خبر المائدة وما دار من حوار بين عيسى عليه السلام والحواريين في صددها ودعاء عيسى لله وجواب الله واجب. مع القول إنه لا بدّ لذكر ذلك بالأسلوب الذي جاء به من حكمة. ولعلّ من ذلك التلقين بعدم التثريب على الذين يرغبون في التماسهم رؤية بعض معجزات الله لأجل تقوية اليقين وطمأنينة القلب.
وهو ما ذكر منه صورة عن إبراهيم عليه السلام على ما شرحناه في سياق الآية [٢٦٠] من سورة البقرة. ثم الإنذار للذين يرتابون ويكفرون بعد ذلك بالله وآياته.
وفي هذا وذاك تلقين مستمر المدى للمسلمين أيضا. والله تعالى أعلم.
(وثانيا) إن الجمهور على أن المقطع التذكيري الأول هو مما سوف يخاطب الله تعالى عيسى عليه السلام به يوم القيامة يوم يجمع الله الرسل. أما المقطع الثاني الذي فيه سؤال الله لعيسى وجواب عيسى عليه فهناك من قال إنه هو أيضا سيكون يوم القيامة. وهناك من قال إنه كان يوم رفع الله عيسى عليه السلام إليه. وأصحاب القول الأول أولوا جملة هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ بأنها إشارة إلى ذلك اليوم الذي سوف يأتي. وأصحاب القول الثاني أولوها بأنها تنبيه تنويهي باليوم بمعنى هذا هو اليوم الذي ينفع الصادقين صدقهم. وليس هناك أثر نبوي ليكون حاسما.
وقد صوّب الطبري القول الأول. ويتبادر لنا أن القول الثاني هو الأوجه لأن الكلام سياق واحد وأسلوب واحد. فالمقطع التذكيري الأول بدأ بجملة وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى والمقطع الثاني الذي فيه السؤال والجواب بدأ بنفس الجملة.
ونقول في صدد الحوار الذي حكته الآيات بين الله تعالى وعيسى عليه السلام إن الإيمان بذلك واجب. ويتبادر لنا بالإضافة إلى ذلك أن من الحكمة في ذكره بالأسلوب الذي جاء به هو ما قلناه قبل التنديد بعقيدة النصارى في عيسى وأمه.
وتبرئة عيسى من مسؤولية ذلك وتقرير حقيقة ما قاله للناس. وتقرير كون كل