ما خالف ذلك فيما أيدي النصارى من أناجيل وأسفار وما هم عليه من عقائد هو مخالف لما أمر الله عيسى عليه السلام أن يقوله أو لما قاله.
والجمهور على أن كلمة نَفْسِكَ بالنسبة إلى الله التي حكيت على لسان عيسى هي في مقام الذات الإلهية وهو الصواب. وهو ما تكرر كثيرا في السور السابقة في هذا المعنى على ما نبهنا عليه.
أما جملة تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ فالمتبادر أنها أسلوبية للمقابلة، وبسبيل التقرير بلسان عيسى بأن الله تعالى هو وحده الذي يعلم حقا بالنفوس وخلجات الصدور. وأنه هو وبالتالي سائر عباد الله لا يعلمون من أمر الله ومغيباته شيئا بقدرتهم والله تعالى أعلم.
ونقول في صدد مدى ما ورد في الآيتين [١١٦ و ١١٧] من سؤال الله تعالى لعيسى عليه السلام عما إذا كان قال للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله وتنصّله من ذلك إن الطوائف النصرانية تسمّي مريم أمّ الله وأمّ الربّ وتتعبّد لها كما تتعبّد لعيسى عليه السلام على اعتبار أنه إله. أو الله. حيث ينطوي في هذا مصداق الخبر القرآني كما هو واضح. وجواب عيسى عليه السلام المحكي بأنه لم يقل لهم إلا ما أمره أن يقوله وهو اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ متسق مع عبارات كثيرة وردت في الأناجيل المتداولة المعترف بها مما أوردنا نماذج منها في سياق تفسير سورة مريم. وأسلوب تنصّله المحكي قوي محكم. وموجّه إلى العقول والقلوب معا ويتبادر لنا أن هذا من أهداف الآيات لتدعيم ما قرره القرآن من نبوّة عيسى وعبوديته لله ومن وضع الأمر في شأنه في نصابه الحق. ثم لتدعيم دعوة النصارى إلى الارعواء وترك ما هم عليه من غلوّ وانحراف والرجوع إلى عقيدة وحدانية الله تعالى وتنزيهه عن كل شائبة وتعدد وكون عيسى رسولا من رسل الله وحسب دعا مثلهم إلى عبادة الله ربّه وربّ جميع الناس.
وتعبير مِنْ دُونِ اللَّهِ المحكي عن لسان عيسى لا يقتضي أن يكون قال لهم اتخذوني إلها لكم بدلا من الله. ويصحّ أن يكون قصد بها (مع الله) وبهذا يزول