وقد فنّد ابن كثير رواية صلة أبي سفيان بالآية الأولى. وهو على حقّ. لأن أبا سفيان كان كافرا عدوا يقود جيش قريش لقتال المسلمين حين نزلت الآية. وكان زواج النبي صلى الله عليه وسلم ببنته قد تمّ وهي في الحبشة حيث هاجرت مع زوجها فمات عنها وخطبها النبي صلى الله عليه وسلم وهي في الحبشة وعقد له عليها وقدمت رأسا إلى المدينة على ما ذكرته الروايات «١» .
والروايات إلى هذا تقتضي أن تكون الآيات الثلاث نزلت متفرقة، في حين أن الانسجام بينها قائم وقوي أولا. وأن الصلة بينها وبين سابقاتها سياقا وموضوعا ملموحة بقوة ثانيا. حيث اكتفي باستعمال ضمير الجمع المخاطب على اعتبار أن صفة المخاطب واضحة في الآيات السابقة وهي مهاجر والمسلمين. وحيث اكتفي بتعبير (منهم) للدلالة على أهل مكة الكفار الذين كانوا موضوع الحديث في الآيات السابقة. وفي الآيتين الثانية والثالثة دلالة أخرى على ذلك في تعبير الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ. ويتبادر لنا بناء على ذلك ومن روح الآيات وبخاصة الأولى أن الآيات السابقة قد أثرت تأثيرها المطلوب في نفوس المهاجرين، وحزّت في الوقت نفسه في قلوبهم، وأيأستهم أو كادت من أقاربهم وذوي أرحامهم الكفار. ولعل بعضهم فاتح النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر أو سأله عما إذا كان النهي شاملا لجميع أهل مكة الباغي منهم والمسالم على السواء فاقتضت حكمة التنزيل إيحاء الآيات للتنفيس والتأميل من جهة. وللتفريق بين الباغي والمسالم ووضع الأمر في نصابه الحق من جهة أخرى. ومن الممكن في الوقت نفسه أن يلمح فيها- وبخاصة في أولاها- بشرى تطمينية بين يدي ما اعتزمه النبي صلى الله عليه وسلم من غزو مكة- والآيات قد نزلت بين يدي هذا العزم على ما رجحناه استلهاما من الآيات والروايات- من
(١) انظر ابن هشام ج ٤ ص ٣٢٣ بل هناك خبر طريف ورائع وهو أن أبا سفيان جاء إلى المدينة بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة ليوثق ذلك الصلح فدخل إلى ابنته فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه فقال يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم (انظر ابن هشام ج ٤ ص ١٢، ١٣) .