شأنها أن تشرح صدر المسلمين المهاجرين للغزوة وتهيىء نفوسهم لها وتبعث فيهم الإقدام والشوق والأمل بحسن النتائج، وانضواء كثير من الأقارب والأصدقاء إلى الإسلام، وانقلاب العداء والجفاء إلى مودة واجتماع. كما يمكن أن يلمح في الآيتين الثانية والثالثة أنه كان بين أهل مكة أناس لم يشتركوا في أذى المسلمين والتآمر عليهم مما هو طبيعي جدّا.
وهذا الشرح لا يمنع أن تكون رواية قدوم أم أسماء المدينة واستفتاء ابنتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحة فكان في الآيات فتوى لها أيضا.
هذا من الوجهة الزمنية المتصلة بالسيرة النبوية. أما من النواحي العامة فالآية الأولى متسقة مع الأسلوب القرآني في جعل الباب مفتوحا أمام غير المسلمين سواء أكانوا أعداء محاربين أم غير ذلك للمسالمة والموادة والتوبة والإنابة والارعواء عن الغلو والمواقف المنبثقة من الغرض والمآرب والمكابرة والاستكبار أو الجهل مما مرّ منه في السور السابقة أمثلة كثيرة جدا نبهنا عليها في مناسباتها فلا ضرورة لتمثيل جديد. وفي عبارة الآية تلقين من شأنه أن يجعل أفق المسلمين واسعا وصدرهم رحبا ويحملهم على النظر في الأمور من أكثر من ناحية. ويبثّ فيهم أمل السلام والخير والاستبشار. ويجتث منهم العداء والحقد الشديدين. وفي هذا ما فيه من روعة وجلال. والآيتان الثانية والثالثة متسقتان بدورهما مع المبدأ القرآني العام الذي نبهنا عليه ونوهنا به في مناسبات سابقة عديدة والذي يقرر معاملة العداء للعدو المعتدي وحسب ويجعل ذلك مقابلة للعدوان وليس بدءا. أما الذين يوادون المسلمين ويكفون عنهم ألسنتهم وأيديهم من غير المسلمين فلا يعتبرون أعداء ولا مانع من برّهم والإقساط إليهم. بل إن أسلوب الآية الثانية ينطوي على الحثّ والتشويق على ذلك.
وفي الآيتين إلى هذا تقرير وتنظيم للمناسبات بين المسلمين وغيرهم أولا.
وفرض لوجود طبقة بين مشركي العرب وكفار الكتابيين يمكن تسميتها بالمسالمين ثانيا. وهي على ما يتبادر لنا غير طبقة المعاهدين الذين يقوم بينهم وبين المسلمين