شروط الصلح التي تنصّ على إرجاع النبي صلى الله عليه وسلم من يأتيه من مكة بدون إذن وليّه ولو جاء مسلما. فأمر الله في الآية بعدم إرجاعهن.
واحتمال صحة إحدى الروايات قوي مع ترجيحنا وقوع الحادث بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بمدة ما على ما تلهمه روح الآية ومقامها المتأخر كثيرا عن سورة الفتح. فلو لم يكن هناك عهد لما كان ضرورة للأمر بعدم الإرجاع ولما كان هناك مجال لمجيء الكفار ومطالبتهم بالإرجاع كما هو ظاهر.
والآيتان وحدة تشريعية تامة ومنسجمة بحيث يسوغ ترجيح نزولهما معا بقوة. وفيهما أمور ليست من أسباب ومحتوى الرواية حيث يصحّ القول بأن حكمة التنزيل اقتضت تضمين الآيتين أحكاما متصلة بأمور عديدة من باب واحد في مناسبة إحدى الحوادث المروية.
ولقد تعددت روايات المفسرين في حقيقة شروط الصلح لمعرفة ما إذا كان في الأمر بعدم الإرجاع نسخ لبعضها. فمن هذه الروايات أن النصّ كان مطلقا «لا يأتيك أحد منّا بدون إذن أهله إلّا رددته ولو كان مسلما» ومنها أنه كان بهذه الصيغة «لا يأتيك رجل منّا.. إلخ» ومنها أنه كان في شأن النساء فقط هكذا «لا تأتيك امرأة ليست على دينك إلّا رددتها إلينا فإن دخلت في دينك ولها زوج تردّ على زوجها الذي أنفق» . وليس هناك نصّ للعهد في حديث صحيح.
والنفس تطمئن إلى الرواية الأولى أكثر من غيرها. ولا سيما وهناك رواية ذكرت أن أبا جندل بن سهيل بن عمرو وكان مسلما قد قيده أبوه بالحديد وحبسه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية يرسف في أغلاله، وكان أبوه هو مندوب المفاوضة مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان الاتفاق قد تمّ على الشروط فطلب الأب ردّ الابن تنفيذا للعهد فردّه النبي صلى الله عليه وسلم على ما شرحناه في سياق سورة الفتح. والرواية الثالثة متطابقة الفحوى مع الآية الأولى فلا يكون هناك ضرورة لأمر رباني ناسخ للاتفاق. وهذا فضلا عن أن نقض العهد الصريح وعدم تنفيذه لم يكن متسقا مع المبادئ القرآنية المكررة بشأن الوفاء بالعهود والعقود. وآيات سورة المائدة الأولى بخاصة قوية