شديدة في شأن صلح الحديبية على ما شرحناه في مناسبتها. ومن جهة أخرى فإن المشركين ما كانوا ليقبلوا بذلك. وكانوا اعتبروا الصلح منقوضا وحملوا تبعة نقضه على النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يرو شيء من ذلك. والمأثور أن العهد ظلّ محترما معتبرا إلى أن نقضه أهل مكة وحلفاؤهم بنو بكر بعد سنتين فكان ذلك سببا لزحف النبي صلى الله عليه وسلم على رأس المسلمين على مكة وفتحها.
والمتبادر أن قريشا كانوا يعتبرون نصّ العهد شاملا للنساء والرجال معا.
فجاء ذوو النساء المهاجرات إلى المدينة ليطالبوا بردهن. ولم يكن هذا النصّ صريح الشمول فشاءت حكمة التنزيل أن يؤمر المؤمنون بعدم إرجاعهن ما دام ليس هناك نص صريح، ثم شاءت أن يعوض أزواجهن عن النفقة التي أنفقوها والتي يتفق المؤولون على أن المراد منها الصداق إرضاء لهم لأنهم كانوا يرون في المطالبة بردهن شبهة من الحق. ولم يرو أحد أنهم رفضوا هذا الحلّ حيث ينطوي في هذا أنهم لم يكونوا يرون أنفسهم محقين أو مستندين إلى نصّ صريح. وهو بعد حلّ فيه العدل والإحسان. وفيه تلقين جليل في كل موقف مماثل.
ويلفت النظر خاصة إلى جعل الحقوق متبادلة بين المسلمين والكفار في مطالبة الأزواج المسلمين تعويضا عن نسائهم اللائي تخلفن عنهم أو التحقن بذويهم ولو كن كوافر أصلا أو ارتدادا وفي مطالبة الأزواج الكفار تعويضا عن نسائهم اللائي أسلمن والتحقن بالمسلمين. ففي ذلك تسوية متقابلة عادلة إنما تكون في ظروف عهدية وسلمية مستمرة ومحترمة من طرفيها. وفي ذلك أمارة من أمارات رحابة أفق وصدر الشريعة الإسلامية في المناسبات بين المسلمين وغير المسلمين، وتلقين جليل مستمر المدى في كل موقف مماثل أيضا.
والحادث الذي نزلت الآيتان في مناسبته والأمر بعدم الإرجاع يدلان على كل حال على أن موقف المسلمين صار أقوى من موقفهم أثناء عقد صلح الحديبية فاقتضت حكمة التنزيل التساهل في مسألة ليس فيها نصّ صريح. في حين لم يكونوا في تلك الأثناء من القوة ما يكفي لإصرارهم على المساواة في بعض