ولم نطلع على رواية خاصة في مناسبة نزول الآيات إلّا ما رواه البغوي عن الكلبي من أن الآية [١٠] نزلت في أبي بكر رضي الله عنه لأنه أول من أسلم وأول من أنفق ماله في سبيل الله. وذبّ عن رسول الله. وقد روى المفسّر حديثا بطرقه عن ابن عمر قال:«كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر رضي الله عنه وعليه عباءة قد خلّها في صدره بخلال فنزل عليه جبريل فقال ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلّها في صدره بخلال؟ فقال أنفق ماله عليّ قبل الفتح قال فإن الله عزّ وجلّ يقول اقرأ عليه السلام وقل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط.
فقال رسول الله يا أبا بكر إن الله عزّ وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك أراض أنت في فقرك أم ساخط. فقال أبو بكر أأسخط على ربّي. إني عن ربّي راض. إني عن ربي راض» وفحوى الروايات لا يتضمّن مناسبة خاصة لنزول الآية كما هو واضح.
والحديث بعد لم يرد في الصحاح.
ومع عظم احترامنا للصدّيق رضي الله عنه وتضحياته واعتقادنا بأنه أهل لكل ثناء ورضاء ربانيين فالذي نستلهمه من روح الآيات وفحواها أن ما احتوته الآية المذكورة يشمل أكثر من شخص واحد. وأنها تعني الطبقة السابقة إلى الإيمان والبذل من مهاجرين وأنصار والذين اتبعوهم بإحسان الذين سجّل الله رضاءه عنهم ورضاءهم عنه في آية سورة التوبة هذه: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [١٠٠] . ونرجح أنها نزلت في مناسبة موقف مرجح من المواقف التي كان يقفها بعض المسلمين المستجدين وخاصة بين مرضى القلوب ويظهرون فيها ترددا في البذل في سبيل الله وتباطؤا في الجهاد وتقصيرا في الإخلاص والطاعة والتفاني الواجب عليهم نحو الله ورسوله مما حكته آيات كثيرة في سور عديدة سابقة مثل آيات سورة البقرة [٢٦٤- ٢٦٧] والنساء [٧١- ٨٧ و ٩٥- ١٠٠ و ١١٤- ١١٥ و ١٤٠- ١٤٧ ... ] وآيات من هذه السورة تأتي بعد فأوحى الله تعالى فيه إلى نبيّه بهذه الآيات لتحتوي ما احتوته من إنكار وتذكير وتنويه وعتاب وحثّ وتنديد وتنبيه بعد المقدمة السابقة