التعذيب. وإذا كان عمر بن الخطاب وعياض بن غنم رضي الله عنهما وجدا تعذيب الذمّي على تأخّره في دفع الجزية منطبقا على نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الناس وإنذاره وأنكراه. وإذا كان الإمام أبو يوسف يقول إنه لا يجوز بناء على ذلك ضرب الذمي وإحداث أي مكروه في بدنه في استيدائه الجزية. فمن باب أولى أن يكون ضربه وتعذيبه وإهانته وهو مقبل على دفعها منكرا غير جائز بل موضعا لإنكار أشد. وهو مما يقوي قول الإمام النووي رحمه الله ويدل على التسامي الإسلامي.
ومن تمام هذا التسامي الحديث الذي رواه أبو يوسف عن النبي صلى الله عليه وسلم وجاء فيه:«من ظلم معاهدا أو كلّفه فوق طاقته فأنا حجيجه» . والرواية التي رواها عن عمر بن الخطاب حين حضرته الوفاة حيث قال:«أوصي الخليفة من بعدي بذمة رسول الله أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم»«١» . وهذا يعني أن خلفاء رسول الله وكبار أصحابه الذين كانوا الأكثر اتصالا به والأفهم لمنهجه ولمدى التلقين القرآني قد فهموا أن الجزية تعني قبول دخول معطيها في ذمة المسلمين وسلطانهم وأن على المسلمين وسلطانهم الدفاع عنهم وضمان سلامتهم وحريتهم الدينية وغير الدينية ومنع الأذى عنهم. ولقد حدث حادث رائع عظيم المغزى دلّ على أن أصحاب رسول الله كانوا على هذا الهدى السامي حيث روى الإمام أبو يوسف أن أهل الذمة لما رأوا وفاء المسلمين لهم وحسن السيرة فيهم صاروا أشداء على عدو المسلمين وعونا للمسلمين على أعدائهم. وقد بعثوا رجالا من قبلهم يتحسسون أخبار الروم فرجعوا يخبرون أهل مدنهم بأن الروم قد جمعوا جمعا لم ير مثله فأتى رؤساء المدن الأمير الذي خلفه أبو عبيدة عليهم- وكان ذلك في بلاد الشام- فأخبروه فكتب وإلي كل مدينة إلى أبي عبيدة بذلك.
وتتابعت الأخبار على أبي عبيدة فاشتد ذلك عليه وعلى المسلمين فكتب أبو عبيدة إلى كل وال يأمرهم أن يردوا على أهل مدنهم ما جبي منهم من جزية وخراج وأن يقولوا لهم إنما رددنا عليكم أموالكم لأنه بلغنا ما جمع لنا من الجموع وإنكم اشترطتم علينا أن نمنعكم وأنا لا نقدر الآن على ذلك. ونحن لكم على الشرط وما