كتبناه بيننا إن نصرنا الله عليهم. فلما فعلوا قال أهل المدن ردكم الله علينا ونصركم عليهم فلو كانوا هم لم يردوا علينا شيئا وأخذوا كل شيء بقي لنا حتى لا يدعوا شيئا «١» . وينبغي أن لا يشك في صحة هذه الرواية إجمالا. فإنها لم تسق للدفاع عن المسلمين في ذلك الوقت الذي لم يكن للدفاع محلّ. والإمام أبو يوسف كتب كتابه قبل نهاية القرن الهجري الثاني وهو من أقدم الكتب التي وصلت إلينا إن لم يكن أقدمها.
ولقد أوّل ابن كثير جملة عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ بقوله: أي ذليلون حقيرون مهانون. وإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب اشترط عليهم بناء على ذلك تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم حيث روى رواية عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: «كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى من أهل الشام: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها ولا نحيي منها ما كان خططا للمسلمين وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل وأن ننزل من رأينا من المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم ولا نؤوي في كنائسنا ولا منازلنا جاسوسا ولا نكتم غشّا للمسلمين ولا نعلّم أولادنا القرآن ولا نظهر شركا ولا ندعو إليه أحدا ولا نمنع أحدا من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام إن أرادوه. وأن نوقر المسلمين وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في شيء من ملابسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا نتكلم بكلامهم ولا نكتني بكناهم ولا نركب السروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله معنا.
(١) كتاب الخراج ص ٨٠- ٨١ وليس هذا الحادث هو الفريد فهناك حوادث مماثلة ونصوص عديدة يشترط قواد المسلمين على أنفسهم لأهل الذمة الدفاع والمنعة. انظر أمثلة عديدة في تفسير رشيد رضا في سياق تفسير الآيات.