المكي على ما نبهنا عليه في سياق سور الأنعام والذاريات والمعارج والمزمل.
وبناء على ذلك نعتقد أن القول بأن في الآية فرضا للزكاة هو تحميل لها غير ما تحمله نصا وروحا. وغير متسق مع الأوامر القرآنية العديدة المكيّة ثم المدنيّة التي نزلت قبل هذه الآية بمدة غير قصيرة بوجوب إيتاء الزكاة وقرنها بالصلاة واعتبارهما الركنين المتلازمين اللذين لا بد منهما لصحة دعوى الإسلام.
ولقد قال بعضهم إن هذه الآية نسخت ما جاء في القرآن من أوامر الصدقة حيث قامت فريضة الزكاة مقام ذلك. وهذا القول منبثق من اعتبار الآية فرضا للزكاة. قد نبهنا على ما في هذا الاعتبار من تجوز قبل قليل. وهذا فضلا عن أن روح الآيات القرآنية الكثيرة المكيّة والمدنيّة تلهم بكل قوة أنها أوسع من أن تحصر الصدقة بالقدر المحدود المستوجب بالزكاة المفروضة. فمهما كثر مقدار هذه الزكاة فإن مجال الإنفاق في سبيل الله في معناها الشامل وفي وجوه البرّ ومساعدة المحتاجين يظل أوسع من أن يملأ ذلك القدر المحدود وتظل حكمة التنزيل مستمرة المفعول بالنسبة للصدقات التطوعية. وفي الآية [١٠٣] من هذه السورة التي نزلت بعد الآيات التي نحن في صددها دلالة قوية على ذلك حيث تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ صدقة من أموال الذين يخلطون عملا صالحا وآخر سيئا ليزكيهم ويطهرهم بها. والمتبادر أن هذه الصدقة هي غير الزكاة المفروضة. وهناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه دليل على ذلك رواه الترمذي عن فاطمة بنت قيس قالت «سألت النبي صلى الله عليه وسلم أو سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال إنّ في المال لحقّا سوى الزكاة. ثم تلا لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إلى آخر آية سورة البقرة [١٧٧] «١» وفيها أمر بإيتاء المال بالإضافة إلى ذكر الزكاة.. وفي الآية الأخيرة من سورة المزمل جملة لها مغزى عظيم في هذا الباب وهي: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ...
وكل هذا يسوغ القول إن الزكاة المفروضة المحددة المقدار بالسنّة النبوية هي