الأذى وهاجروا من مكة مفضلين الله ورسوله على الأهل والوطن والمال والراحة.
والثانية السابقون الأولون من الأنصار وهم الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وعاهدوه على النصرة من أهل المدينة ورحبوا بهجرته مع أصحابه إليهم وأيدوه ونصروه فعلا في أوقات الشدة. وأضافت الآية إليهما فئة ثالثة وهم الذين اتبعوا سبيل الفئتين بإحسان أي الذين أسلموا إسلام السابقين الأولين وسلكوا منهاجهم في الهجرة والنصرة وأعمال الخير كما عرّفهم الطبري.
وروح الآية من جهة وروح آيات عديدة أخرى من جهة ثانية تلهم- وهذا مما نبهنا عليه في مناسبات سابقة أيضا- أن عدد هذه الفئات الثلاث كان غير يسير وأن موقفها كان خالصا لله ورسوله ومنبعثا عن إيمان وعقيدة راسختين لا يشوبهما قصد المنفعة والمسايرة خلافا لما يحلو لبعض المستشرقين أن يقرروه ويعمّموه ويوسعوا نطاقه. والراجح أن هذه الطبقة وبخاصة الفئتين الأوليين منهما هما المقصودتان في الأحاديث النبوية في فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيجاب احترامهم التي روينا طائفة منها في مناسبات سابقة. لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يخاطب السامعين بقوله:
«لا تسبّوا أحدا من أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» أو «الله الله في أصحابي. لا تتخذهم غرضا من بعدي فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه» و «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» لا يعقل أن يكون قصد جميع الناس الذين رأوه وبايعوه على الإسلام لأنه لا يكون حينئذ محلا لتوجيه هذا النهي والتنبيه.
وهذه الدلالة منطوية في آية في هذه السورة تأتي بعد قليل أمرت المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين حيث يفيد أن الأمر لعموم المسلمين ليكونوا مع الصفوة من أصحاب رسول الله.
ومما لا شكّ فيه أن هذه الطبقة أهل لكل تعظيم وتوقير واقتداء واتباع. فهذا الثناء الرباني والنبوي عليهم لا بدّ من أنه بسبب إيمانهم العميق وإخلاصهم الشديد