أجد قوما يقاتلونك إلّا قاتلتك معهم فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين فلما انهزمت هوازن يئس وخرج هاربا إلى الشام وأرسل إلى المنافقين في قباء أن استعدوا ما استطعتم وابنوا مسجدا ليكون مجمعا لكم وانتظروني فإني ذاهب إلى قيصر الروم لآتي بجند نخرج به محمدا وأصحابه من المدينة. فأنشأوا مسجدا فسألهم النبي فقالوا له إن المسجد الأول بعيد عنهم وإن شيوخهم ومرضاهم لا يستطيعون الذهاب إليه. وأكدوا له حسن نيتهم وطلبوا منه أن يأتي فيصلّي فيه للبركة.
فصدقهم وقال لهم إنا على سفر وحين أعود من تبوك أفعل. فلما قرب في عودته إلى المدينة جاءه بعضهم يذكرونه بوعده لهم فأنزل الله الآيات ففضحهم وأرسل النبي صلّى الله عليه وسلم بضعة أشخاص فهدموا المسجد وأحرقوه.
والآيات إجمالا متطابقة مع هذا الموجز. وهكذا تكون قد انطوت على صورة من أخبث صور النفاق وأشدها خطرا وبعد مدى. ولا سيما باتخاذ مسجد الله وسيلة ودريئة. ثم على موقف من مواقف الكيد التي كان المنافقون وذوو القلوب المريضة الحاقدة يقدمون عليها ضدّ النبي ودعوته وسلطانه. فجاءت الحملة فيها قاصمة لتتناسب مع شدة خبثهم وسوء مقاصدهم التي تضمنتها العبارة القرآنية.
ومع أن الآيات احتوت موضوعا خاصا روي فيه وقائع معينة فإن عطفها على ما قبلها وأسلوبها يلهمان أنها غير منفصلة عن السياق السابق وبسبيل وصف صنف من صنوف المسلمين في الوقت نفسه. ويمكن أن يستأنس على ذلك برواية نزولها في طريق عودة النبي صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة لأن هذا مما يفيده بعض الآيات الواردة في السياق.
وهكذا يكون هذا الفصل الاستطرادي الذي يبدأ بالآية [٩٨] والذي نزل في طريق عودة النبي صلّى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة قد احتوى بيان الصنوف التي كان يتكون منها المجتمع الإسلامي في أواخر حياة النبي صلّى الله عليه وسلم لأنه مات بعد سنة من غزوة تبوك. وهي: