بل والعشرة منهم يتناوبون على بعير واحد. وحتى وصل العطش بهم أحيانا إلى نحر الإبل واعتصار كروشها. وحتى وصلت قلة الطعام مع بعضهم إلى الاكتفاء أحيانا بالتمرات القليلة في اليوم بل إلى المناوبة في لوك التمرة الواحدة. وقد برّح ببعضهم التعب حتى كان بعضهم يتخلف عن الركب فيخبرون النبي صلى الله عليه وسلم به فيقول دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم منه. وكان من المتخلفين ثم اللاحقين أبو ذرّ رضي الله عنه. وتخلّف من المخلصين بضعة نفر أحدهم أبو خيثمة الأنصاري الذي ندم بعد رحيل الجيش والتحق به في خبر شائق يرويه ابن هشام حيث قال «١» إنه جاء أهله في يوم حار فوجد زوجتيه في عريشين لهما في حائطه- بستانه- كل منهما قد رشت عريشها وبردت له فيه ماء وهيأت له فيه طعاما فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال:
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح- في الشمس- والريح والحرّ وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء في ماله مقيم. ما هذا بالنصف. ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيئا لي زادا ففعلتا ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج في طلب رسول الله حتى أدركه حين نزل تبوك. ولقي في طريقه واحدا مثله خرج للالتحاق برسول الله وهو عمير بن وهب الجمحي فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير: إن لي ذنبا فلا عليك أن تتخلف عني حتى آتي رسول الله قبلك ففعل حتى إذا دنا من رسول الله قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كن أبا خيثمة» فقالوا: يا رسول الله هو والله أبو خيثمة فلما أناخ أقبل فسلّم على رسول الله وأخبره فدعا له بخير. وقد أورد ابن هشام أبياتا منسوبة إليه جاء فيها:
لما رأيت الناس في الدين نافقوا ... أتيت التي كانت أعفّ وأكرما
وبايعت باليمنى يدي لمحمّد ... فلم أكتسب إثما ولم أغش محرما
تركت خضيبا في العريش وصرمة ... صفايا كراما بسرها قد تحمّما