وكنت إذا شكّ المنافق أسمحت ... إلى الدين نفسي شطره حيث يمّما
ومما يلفت النظر اختصاص المهاجرين والأنصار بالذكر في الآية الأولى في حين أن الروايات تذكر أن من القبائل البدوية من اشترك في الحملة إلى جانبهم.
ومما يؤيده ذكر حادث اعتذار بعض الأعراب ذوي القدرة والثروة في الآية [٩٠] وبعدها.
ويتبادر لنا أن هذا هو بسبب كون هذه الطبقة هي التي كانت العمود الحقيقي القوي الذي قامت عليه الدعوة والمجتمع الإسلامي في عهد النبي وعقب وفاته.
والتي كانت تسارع إلى تأييد رسول الله والاستجابة إليه قلبا وقالبا في كل ظرف وبخاصة في الملمات فيقتدي بها سائر الناس. فالمتبادر أن حكمة التنزيل اختصتهم بالذكر استعظاما لما حكته الآية عن بعضهم كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ لأنه لم يكن يصحّ أن يصدر مثل هذا من أي فرد من هذه الطبقة. أما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وشموله بالتوبة فقد روى بعض المفسرين عن ابن عباس وغيره أن ذلك إما بسبب موقف التساهل الذي وقفه من المستأذنين بالتخلف والإذن لهم مما حكته بعض الآيات وإما بقصد تشريف المهاجرين والأنصار وتطمينهم. وكلا القولين وجيه وإن كنا نرجح الثاني. لأن موضوع الإذن قد ذكر في آية بأسلوب تحببي عتابي مع ذكر عفو الله عنه وهي الآية [٤٣] فلم يبق محل لتوبة أخرى والله أعلم.
أما الآية الثانية فهي في حق ثلاثة من المخلصين تكاسلوا وتخلفوا في المدينة بدون عذر، وقد روى المفسرون خبرهم، وقد روى خبرهم الشيخان والترمذي في سياق تفسير الآية في حديث طويل عن كعب بن مالك أحد الثلاثة رأينا إيراده لما فيه من فوائد وصور رائعة عن أخلاق أصحاب رسول الله «١» . قال: «لم أتخلّف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلّا في غزوة تبوك. غير أني قد تخلّفت في غزوة بدر ولم يعاتب النبيّ صلى الله عليه وسلم أحدا تخلّف عنه إنما خرج النبيّ والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم