للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها وخشيت أن يموت الصبي من العطش وبكت ورفعت صوتها فأرسل الله إليها ملاكا طمأنها ووعدها بأنه سيجعله أمة كبيرة وكشف لها عن بئر ماء. وأن الله كان مع الغلام وأمامه مع أمه في برية فاران واتخذت له أمه امرأة من أرض مصر.

وباستثناء الخبر الأخير فإن نفس القصة مما كان متداولا في بيئة النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن جملة ذلك أن البئر الذي كشفه لها الملاك هو بئر زمزم أو ماء زمزم. وعلماء المسلمين بناء على ذلك يفسرون فاران بوادي مكة. ويوردون بعض الأدلة على صحة تفسيرهم. والنص القرآني يؤيد ذلك. وسفر التكوين وسائر الأسفار المتداولة الأخرى قد كتبت بعد موسى عليه السلام بمدة طويلة وطرأ عليها تحريفات وتشويهات متنوعة على ما سوف نشرحه في مناسبات أخرى. والواجب على المسلم أن يؤمن بما جاء في القرآن. وليس هناك أي دليل تاريخي يقيني أو أي دليل عقلي صحيح يناقضه «١» . ونرجح إلى هذا أنه كان في أيدي اليهود أسفار ذكرت ما هو متطابق مع القرآن الكريم وضاعت كما ضاع كثير غيرها على ما سوف نشرحه كذلك في مناسبة آتية.

ومهما يكن من أمر فإن اسم قريش كان يطلق على القبيلة المسماة به قبل البعثة بمدة غير قصيرة على ما تؤيده الروايات وعلى ما يلمح في سورة قريش التي نحن في صددها.

ولقد كانت قريش قبل البعثة مؤلفة من عدة بطون، وكان في مكة من رؤساء بطون قريش البارزة حكومة أو شبه حكومة أو حكومة شيوخ، لكن بطن أو عشيرة مركز معين فيها ينتقل في زعماء العشيرة أو البطن جيلا بعد جيل، ومن هذه المراكز ما هو ديني مثل سدانة الكعبة وحجابتها وسقاية الحج ورفادته (ضيافته وقراه) ومنها ما هو سياسي مثل اللواء وقيادة الجيش والسفارة ومنها ما هو اجتماعي مثل الأنساب والأشناق أي تأمين الديات التي تطلب من بطون القبيلة،


(١) انظر تفسير سورة التين في تفسير القاسمي وتفسير سورة إبراهيم في تفسير البغوي والطبري وابن كثير، وانظر الفصل الأول من كتابنا عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم وبيئته قبل البعثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>