وكان بين أصحاب المراكز تضامن وتساند، وكان لهم دار ندوة قرب الكعبة يجتمعون فيها للمداولة في مختلف شؤون القبيلة، وقد كان هذا مع كونهم أهل حرم الله وسدنته وسقايته وعمارته مما جعل لهذه القبيلة خطورة واحتراما بين سائر العرب، وسيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم من أحد بطون قريش البارزة وهو بطن هاشم. وكان عمه العباس صاحب مركز هذا البطن وكان يتولى سقاية الحج أي أمر توفير المياه للحجاج في موسم الحج «١» .
والمتبادر أن تعبير «البيت» والإشارة القريبة إليه وتذكير قريش بما كان من أفضال الله عليهم متصل بتلك الخطورة وإدراكها، والتعبير يلهم أن قريشا كانوا يعتقدون أن الكعبة بيت الله، والآيات التي أوردناها تلهم أن العرب كانوا يشاركون قريشا في هذه العقيدة. ويحجون الكعبة وهي المرادف القرآني للبيت على ما جاء في الآية [٩٧] من سورة المائدة. ويحترمون حرمها وقدسيتها وأمنها على أساس هذه العقيدة. وكانت الحرمة والقدسية شاملة لجميع منطقة مكة على ما تفيده الآيات العديدة التي منها آية سورة النمل هذه: إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) ومنها آيات سورة القصص [٥٧] وسورة العنكبوت [٦٧] التي أوردناها آنفا. وعلى هذا فإن الكعبة وحجها كان نوعا ما مظهرا لوحدة عربية دينية قبل البعثة. وقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن يبقى تقليد الحج وحرمة الحرم المكي ومعظم طقوسه بعد تنقيتها من شوائب الشرك في الإسلام بسبب ذلك على ما هو المتبادر والله أعلم.
والكعبة غرفة مثمنة الأضلاع تقوم في وسط الحرم المكي. ولها باب مرتفع عن الأرض بنحو متر ثم يرتفع البناء إلى نحو خمسة أمتار ويقوم السقف على ستة أسطوانات مرمرية. ويبلغ مسطحها الداخلي نحو ثلاثين مترا، والبناء الحاضر هو بناء إسلامي وقد تجدد ورمّم في الإسلام أكثر من مرة. وهو مكان بناء قديم وعلى صورته التي كان عليها قبل البعثة. وهذه الصورة ليست هي القديمة الأولى وإنما
(١) انظر كتابنا عصر النبي عليه السلام وبيئته قبل البعثة ص ٢١٥ وما بعدها.