المسلمين من صحف ومصاحف ورقاع خاصة أمر عثمان بإحراقها بعد ما فرغ من نسخ المصاحف الموحدة ليزول أهم سبب من أسباب الخلاف في القراءة مما ذكره حديث البخاري والإحراق خاصة لا يتوارد معه إلا الورق والقرطاس والرقوق مما يدل على أن التدوين على هذه الوسائل كان هو المألوف السائغ.
على أننا لا نريد أن ننفي بالمرة ما ورد في الأحاديث العديدة عن كتابة القرآن على الألواح والأكتاف والرقائق والأديم فإن من الممكن أن يكون لها أصل صحيح أيضا، ولكن على غير الصورة أو المقصد الذي عبرت عنه الروايات أو تركته غامضا.
فمن المحتمل أن يكون النبي إذ يستدعي أحد كتابه لإملاء ما يكون نزل عليه من وحي فورا أن لا يكون متيسرا إلا شيء من هذه الوسائل البدائية فيكتب الكاتب عليها ما يمليه النبي مؤقتا ريثما ينقله إلى مكانه من سجلات القرآن، مما عبر عنه زيد بن ثابت في الحديث الذي نقلناه في المجموعة الثالثة في قوله كنا نؤلف القرآن من الرقاع في عهد رسول الله. ومن المحتمل كذلك أن أصحاب رسول الله من أهل المدن أو البادية قد كانوا يكتبون بعض الفصول القرآنية التي يتلقونها عن النبي على قطعة من تلك القطع للتبرك والحفظ والنقل على اعتبار أنها أبقى على الزمن وأقل تعرضا للفناء والتمزيق على نحو ما اعتاد المسلمون أن يفعلوه من قديم الأجيال في كتابة الألواح مع بعض التعديل. فلما دعي المسلمون إلى الإتيان بما عندهم من قرآن بقصد زيادة الاستيثاق والضبط والتحرير والمعارضة أتوا فيما أتوا به بهذه القطع فحفظت الروايات هذه الصورة ونقلتها.
هذا من جهة التدوين، وما نقلناه يصح إيراده بتمامه على ترتيب القرآن آيات في سور وسورا في تسلسل أيضا. فالنبي الذي لا شك في أن القرآن كان من أهم مشاغله لا يمكن أن يكون قد أهمل ترتيبه وترك مدوناته مشوشة فوضى لا يعرف لها أول من آخر سواء في التدوين أو في القراءة والتعليم، ولا بد من أن يكون قد عني بترتيبه نفس العناية الفائقة التي كانت منه بتدوينه وحفظ مدوناته.