للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصالحة وتحذيرهم من الانحراف عنه ومن الأعمال السيئة وترتيب مصائرهم وفقا لمواقفهم من ذلك. ويستتبع هذا أن يقال إن الله حينما أرسل إليهم الرسل وكلفهم وبشّرهم وأنذرهم يعلم ما أودعه فيهم من قابليات التمييز والاختيار والاستجابة وأنه جعلهم مسؤولين عن مواقفهم بناء على ذلك، ويكون فرض غير هذا والقول إن الله قد كلفهم ودعاهم وبشرهم وأنذرهم في حين قدّر عليهم مواقفهم وأعمالهم من الأزل تقديرا حتميا لا قدرة لهم على مخالفته بدون سبب منهم يكون عبثا ومتناقضا مع حكمته السامية المذكورة يتنزه الله عن ذلك. وكل هذا يجعلنا نميل إلى القول إن القصد من الأحاديث التي وردت في القدر والآيات التي تتساوق معها هو بسبيل تقرير علم الله السابق لأفعال عباده ومصائرهم بالدرجة الأولى. وفي بعض الأحاديث التي أوردناها ما يفيد أن هذا هو المقصود. ومن الممكن أن يقال مع ذلك إن الناس يباشرون أعمالهم ويكتسبونها خيرا كانت أم شرا وصالحة أم سيئة بمشيئتهم التي شاء الله أن يودعها فيهم فيزول بذلك وهم كون ذلك بمشيئتهم دون مشيئة الله والله تعالى أعلم.

على أن المحقق في الأمر يجد أن المسألة في جملتها تظلّ في نطاق الفكرة الجدلية من حيث إن الناس منذ وجودهم في الدنيا ومنذ أن يعوا كانوا وظلوا منغمرين في أسباب الحياة على مختلف أشكالها وأبعادها دائبين على العمل بدون انقطاع متحملين لمختلف النتائج وقلّما يتوقفون ليتساءلوا عما إذا كانوا مسيرين أو مخيرين ولا يمنعهم هذا لو وقع عن الاستمرار والانغمار في العمل والحياة. ولا يصح أن يشكّ أحد في أن هذا هو مظهر من مظاهر إرادة الله وتقديره وتيسيره وحكمته السامية. ولقد أمر القرآن في آيات عديدة الإنسان بالعمل الذي سوف يراه الله ويجازيه عليه وقرر أن الله خلق الموت والحياة وجعل ما على الأرض زينة لها وخلق الناس ليبلوهم أيهم أحسن عملا وجعل الأرض ذلو لا ليمشوا في مناكبها ويأكلوا من رزقه فيها وأنه جعلهم فيها خلائف ورفع بعضهم فوق بعض درجات ليبلوهم فيما آتاهم وأنه لو شاء لجعلهم أمة واحدة ولكن ليبلوهم فيما آتاهم وعليهم أن يتسابقوا إلى الخيرات مما هو منبثّ في كثير من السور ولا يحتاج إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>