للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمثيل حيث يبدو أن حكمة التنزيل قد شاءت أن تنبّه الإنسان إلى أنه وقد وجد في الحياة مكلف بالاندماج فيها دون تساؤل لا طائل وراءه ومكلف بعمل أحسن العمل في حياته أي كل ما فيه الخير والبرّ والعدل والإحسان والحق وإلى أنه بذلك فقط يكون قد حقق حكمة الله في خلقه ووجوده وأدرك هذه الحكمة.

ولقد احتوت بعض الأحاديث النبوية التي أوردناها حلو لا ومعالجات حكيمة لهذه المسألة يحسن الوقوف عندها كذلك. فمع تقريرها لتلك الحكمة المتصلة بذات الله وأزليته وأبديته وشمول علمه وقدرته ومشيئته نهت عن النقاش والجدل فيها وأمرت الناس بالعمل دون القول. إن الأمور مقدّرة سابقة ونهت عن (اللو) التي تفتح الطريق لوساوس الشيطان. ولقد مرّ في السور السابقة تلقينات مماثلة وسيأتي كثير من مثل ذلك في السور الآتية إن شاء الله. والله تعالى أعلم.

وبعض الأغيار يأخذون على الإسلام عقيدة القدر. ويزعمون أن المسلمين مستسلمون لها وأنها لذلك من المثبطات للنشاط والمسببات للخمول والتواكل.

ومع أن المسألة ليست إسلامية وحسب وإنما هي عالمية وجدت وما تزال في مختلف النحل والملل والأفكار والأدوار كما قلنا ومع أن الذين يستسلمون لها من المسلمين جزافا وإطلاقا لا يفعلون ذلك عن فهم لمدى التلقين القرآني والنبوي فيها وإنما يفعلون ذلك عن جهل. ومع أنها ليست مطلقة في الإسلام وأن قابلية الإنسان وقدرته على الكسب والتمييز والاختيار وحثّه على كل ما فيه الخير والصلاح وإيذانه بقابليته وتحميله مسؤوليته من المبادئ المحكمة المكررة في القرآن والحديث فإن مأخذهم ذلك على المسلمين في أي مدى كان هو في غير محلّه بل عكسه هو الأصح من حيث إنها تدفع المسلم إلى الإقدام والتضحية على اعتبار أنه لن يصيبه إلّا ما كتب له وإن ما لم يكن مكتوبا عليه لن يصيبه في حال وإن هو مكتوب عليه سيصيبه على أي حال. وإن ما هو مقدّر عليه مغيّب. ليس من شأنه أن يمنعه من الاستجابة للأوامر والتلقينات القرآنية والنبوية في العمل والكسب والضرب في الأرض وبذل كل جهد في الانتفاع بقوى الكون ونواميسه وطلب العلم على مختلف مستوياته واتخاذ الأسباب للتمكن في الأرض ونشر دين الله

<<  <  ج: ص:  >  >>