مصر ثم عاد بعد موته وقاد حركة ضدّ ابنه أدت إلى انقسام مملكته، وليس في الأسفار ما ورد في آيات هذه السور والسور الثلاث الأخرى من تسخير الجنّ والريح لسليمان ولا أعمال الجن البنائية والغوصية، ولا تقييده بعضهم بالأصفاد ولا معرفته لغة الطير واحتشاده معه، ولا قصة الهدهد الذي طار إلى سبأ وأتى بخبر ملكتها، ولا قصة الصافنات الجياد ولا قصة الجسد الذي ألقاه الله على كرسي سليمان.
واتساقا على ما نبهنا عليه في سياق فصل داود عليه السلام السابق نقول إن من واجب المسلم الوقوف موقف التحفّظ إزاء ما ورد في الأسفار عن انحرافات سليمان عليه السلام. وكل ما يمكن أن يقال إن الآيات تفيد أنه صدر من سليمان خطأ ما استحق أن يبتليه الله ببلاء ما عليه وأنه أدرك ذلك فأناب إلى ربّه فغفر الله له لأنه كان عنده ذا حظوة وقبول. والأسلوب الذي جاءت عليه قصة سليمان وأخباره ليس أسلوب سرد وتسجيل كما هو الشأن في أسفار العهد القديم وإنما هو أسلوب وعظ وعبرة. فهو عبد الله وهو يعترف بهذه العبودية وينيب إلى الله ويستغفره ويلتمس منه المطالب ويكون موضع ابتلائه وفتنته مع ما وصل إليه من الملك والسلطان والسيطرة على بعض القوى الكونية القوية.
وقد يقول المغرضون الأغيار بسبب عدم ورود أخبار تسخير الجنّ والريح وغير ذلك مما ورد في السور الأخرى في الأسفار المتداولة إن كل هذا اختراع بقطع النظر عن كون ذلك داخلا في نطاق قدرة الله تعالى فإننا نقول من قبيل المساجلة إنه ليس هناك ضرورة فنية للاختراع وإن السياق القرآني يبقى مستقيما بدون الزوائد لو لم تكن مستندة إلى أصل. ونحن نعتقد أنها واردة في أسفار وقراطيس كانت متداولة بأيدي اليهود في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم وضاعت ولم تصل إلينا.
وهدف القصة إنما يتحقق بقوة إذا كان السامعون يعرفونها. وما كان يتداوله اليهود كان يتسرب إلى العرب. ولقد جاء في الإصحاح التاسع من سفر أخبار الأيام الثاني المتداول اليوم هذه الجملة:(وبقية أخبار سليمان الأولى والأخيرة مكتوبة في أسفار ناتان النبي ونبوّة أحيا الشيلوتي وعدو الرائي) وورد في الإصحاح الحادي