وأعظم بتسجيل كتاب الله المجيد لكرامة بني آدم وخلافته في الأرض فخرا وشرفا يوجبان عليهم التسامي عن العجماوات في تصرفهم وسلوكهم وأخلاقهم في الحياة وقيامهم بواجباتهم قياما تاما نحو الله وخلقه.
هذا، ولقد ألقى صادق العظم أحد أساتذة الجامعة الأميركية البيروتية في أحد أندية بيروت في أواسط سنة ١٣٨٥ هجرية وأواخر سنة ١٩٦٥ ميلادية محاضرة بعنوان (مأساة إبليس) فيها كثير من التمحل والسفسطة والأخطاء والتناقض رغم كونه ينطلق من العبارات القرآنية للقصة وغيرها مما يفيد أنه مؤمن بالقرآن. ومن جملة ما جاء في المحاضرة أن إبليس الذي كان كبير الملائكة وجد نفسه أمام أمر وواجب. فالله يأمره بالسجود لآدم، وهو يعرف أنه لا يجوز السجود لغير الله. فتمرّد على أمر الله مفضلا التمسك بواجب حصر السجود له وحده فكانت مأساته وكان ضحية لتناقض الله عزّ وجلّ. وقد ناقش المحاضر بعض المفسرين والباحثين قبله الذين قالوا إن السجود الذي أمر به سجود تكريم وليس سجود عبادة ولكنه أصرّ على القول إنه ليس له في القرآن إلّا معنى واحد وهو سجود عبادة.
رغم ما في القرآن من آيات طويلة لأولئك القائلين والتي تلزم المحاضر إلزاما لا فكاك له منه لأنه كما قلنا ينطلق من العبارات القرآنية للقصة وغيرها. فقد جاء في صيغة من صيغ القصة في سورة الإسراء عن لسان إبليس: قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (٦٢)
وقد حكى القرآن سجود أبوي يوسف وإخوته له في سورة يوسف: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا ... [١٠٠] ولا يمكن لأي كان أن يزعم أن سجودهم ليوسف كان سجود عبادة من دون الله ويتصف بإشراكه مع الله فيه ... وتغافل المحاضر عن صراحة حكم الله في موقف إبليس الذي حكاه القرآن وهو أنه كان به كافرا متكبرا وإنه استحقّ على هذا الموقف اللعنة المؤبدة والعار. كما جاء في الآيات [٧٦- ٨٥] من هذه السورة وغيرها. وهو ملزم بهذا الحكم إلزاما لا فكاك له منه