لأنه ينطلق من العبارة القرآنية. ولقد تغافل المحاضر تغافلا عجيبا عن أن القرآن يدور جملة وتفصيلا على الدعوة إلى عبادة الله وحده ومحاربة كل نوع من أنواع الشرك به وعبادة غيره والسجود لغيره بأي صورة وتأويل وعمل وإن الله يتنزه والحالة هذه عن أن يأمر الملائكة وإبليس أن يسجدوا سجود عبادة وشرك لغيره.
وعن كون إطاعة الملائكة لأمره بالسجود لآدم سجود عبادة تجعلهم مشركين وهم الذين ينزّههم القرآن عن الشرك ويقرر كونهم دائمي العبادة والتسبيح والتقديس له.
وعن أنه بدعواه يقف موقفا فيه كل السخف إذ يجعل إبليس أشدّ حرصا على التمسك بواجب توحيد الله من الله نفسه! ويجعله مؤمنا موحدا ضحّى بنفسه في سبيل عقيدته! رغما عن نصوص القرآن! وتغافل كذلك عن ما انطوى في القصة من هدف تذكير سامعي القرآن الذين كانوا يعرفونها بما فيها من عبرة وعظة بسبيل حملهم على عدم الاندفاع بالسير في طريق إبليس المتمرّد على أمر الله: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (٥٠)[الكهف] وعلى السير في طريق الملائكة عباد الله المخلصين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
ولقد رددنا عليه ردا قلنا فيه فيما قلنا: «إنه ليس هناك ما يصح أن يكون محلّ نقاش في هذه القصة. فالقصة بالصيغة التي ورد بها في القرآن فريدة لم ترد في غيره. وهي عند المسلمين من المغيبات التي يجب عليهم الإيمان بها لأنها وردت في القرآن مع أخذها على أنها ليست من المحكمات التي هي أمّ الكتاب وإنما هي من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلّا الله. وأن ورودها في القرآن بالأسلوب الذي وردت فيه وتكررها سبع مرات قد استهدف الموعظة والتذكير لأناس يعرفون مركز كل من الملائكة وإبليس من الله تعالى، ويعترفون بالله كالخالق المدبر للأكوان المحيط بكل شيء علما وقدرة. وإن المحاضر أمام سؤال يجب أن يجيب عليه وهو هل هو مؤمن بالقرآن وبالقصة الغيبية التي وردت فيه؟