للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي البُكَاءِ (١)، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أصَابَ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى" (٢).

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِأُمِّ حَارِثَةَ: "وَيْحَكِ (٣) أَوَهَبِلْتِ (٤)؟ أَوَجَنَّة وَاحِدَةٌ هِيَ، إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ فِي جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى" (٥).

قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ: وَفي هَذَا تَنْبِيهٌ عَظِيمٌ عَلَى فَضْلِ أَهْلِ بَدْرٍ، فَإِنَّ هَذَا الذِي لَمْ يَكُنْ فِي بُحَيْحَةِ (٦) القِتَالِ، وَلَا فِي حَوْمَةِ الوَغَى (٧)، بَلْ كَانَ مِنَ النَّظَّارَةِ مِنْ بَعِيدٍ، وَإِنَّمَا أصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، وَهُوَ يَشْرَبُ مِنَ الحَوْضِ، وَمَعَ هَذَا أصَابَ


(١) قال الحافظ في الفتح (٦/ ١٠٨): وكان ذلك قبل تحرِيم النَّوْحِ، فإن تحريمه كان عَقِبَ غزوة أُحد، وهذه القصة كانت عقب غزوة بدر.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب من أتاه سهم غرب فقتله - رقم الحديث (٢٨٠٩).
(٣) وَيْح: كلمة تَرحُّم وتوجّع، تُقال لمن وَقَع في هلكة لا يستحقها، وقد تقال بمعنى المدح والتعجب. انظر النهاية (٥/ ٢٠٤).
(٤) هَبِلْتِ: هو بفتح الهاء وكسر الباء، وقد استعاره هاهنا لِفَقْدِ المَيْز والعقل مما أصابها من الثكل بولدها، كأنه قال: أفقدت عقلك بفقد ابنك، حتى جعلت الجنان جنة واحدة. انظر النهاية (٥/ ٢٠٩).
(٥) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب فضل من شهد بدر - رقم الحديث (٣٩٨٢).
(٦) بُحَيحَة القتال: أي ساحتها. انظر لسان العرب (١/ ٥٣٤).
(٧) حَوْمَة القتال: مُعْظَمُه وأشد موضعٍ فيه. انظر لسان العرب (٣/ ٤٠٧) - والوغى: الحرب نفسها. انظر لسان العرب (١٥/ ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>