قَالَ كَعْبٌ: فَأَرْهِنُونِي أَبْنَاءَكُمْ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا، فيسَبُّ أَحَدُهُمْ؟ فيقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأَمَةَ، يَعْنِي السِّلَاحَ.
فَوَاعَدَهُ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ بِالسَّلَاحِ.
وَصَنَعَ أَبُو نَائِلَةَ مِثْلَ مَا صَنَعَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، فَقَدْ جَاءَ كَعْبًا فتَنَاشَدَ مَعَهُ أَطْرَافَ الأَشْعَارِ سُوَيْعَةً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ الأَشْرَفِ، إِنِّي قَدْ جِئْتُكَ لِحَاجَةٍ أُرِيدُ ذِكْرَهَا لَكَ، فَاكْتُمْ عَنِّي. قَالَ كَعْبٌ: أَفْعَلُ.
قَالَ أَبُو نَائِلَةَ: كَانَ قُدُومُ هَذَا الرَّجُلِ -أَي رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَلَاءً، عَادَتْنَا العَرَبُ، ورَمَتْنَا عَنْ قَوْس وَاحِدَةٍ، وَقَطَعَتْ عَنَّا السُّبُلَ، حَتَّى ضَاعَ العِيَالُ، وَجَهِدَتِ الأَنْفُسُ، وَأَصْبَحْنَا قَدْ جَهِدْنَا وَجَهِدَ عِيَالُنَا.
ثُمَّ قَالَ أَبُو نَائِلَةَ: إِنَّ مَعِيَ أَصْحَابًا لِي عَلَى مِثْلَ رَأْيِي، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ آتِيَكَ بِهِمْ، فتَبِيعَهُمْ وَتُحْسِنَ في ذَلِكَ.
وَهَكَذَا نَجَحَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، وَأَبُو نَائِلَةَ في هَذَا الحِوَارِ إلى مَا قَصَدَا، فَإِنَّ كَعْبًا لَنْ يُنْكِرَ مَعَهُمَا السِّلَاحَ، وَالأَصْحَابَ بَعْدَ هَذَا الحِوَارِ.
وَفِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ -لَيْلَةِ الرَّابع عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِلْهِجْرَةِ- اجْتَمَعَتْ هَذِهِ المَجْمُوعَةُ إلى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَمَشَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى بَقِيعِ الغَرْقَدِ، ثُمَّ وَجَّهَهُمْ قَائِلًا: "انْطَلِقُوا عَلَى اسمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ أَعِنْهُمْ"،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute