ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى بَيْتِهِ، وَطَفِقَ يُصَلِّي، وَيَدْعُو رَبَّهُ.
وَأَقْبَلُوا حَتَّى انْتَهَوْا إلى حِصْنِ كَعْبِ بنِ الأَشْرَفِ، فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ، فَقَامَ لِيَنْزِلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأتهُ -وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ- أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ .
فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ، قَالَتْ: أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ.
قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ، إِنَّ الكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إلى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ، وَهُوَ مُتَطَيِّب يَنْفُحُ رَأْسُهُ.
وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِذَا مَا جَاءَنِي فَإِنِّي آخُذُ بِشَعْرِهِ فَأَشُمُّهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ، فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ.
فَلَمَّا نَزَلَ كَعْبٌ إِلَيْهِمْ تَحَدَّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً، وَتَحَدَّثُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو نَائِلَةَ: هَلْ لَكَ يَا ابْنَ الأَشْرَفِ أَنْ نَتَمَاشَى إلى شِعْبِ العَجُوزِ، فنَتَحَدَّثَ بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا؟ .
قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ، فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ، فَقَالَ أَبُو نَائِلَةَ وَهُوَ في الطَّرِيقِ: مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ طِيبًا أَعْطَرَ قَطُّ.
فَقَالَ كَعْبٌ: عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ العَرَبِ، فَقَالَ أَبُو نَائِلَةَ: أتأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَدْخَلَ يَدَهُ في رَأْسِهِ فَشَمَّهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute