للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَتْ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فنَادَاهَا عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-: أَلَا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ، حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الحِجَابُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الحِجَابِ (١).

وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ في السُّنَنِ الكُبْرَى، وَالبُخَارِيُّ في الأَدَبِ المُفْرَدِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ آكُلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَيْسًا (٢) في قَعْبٍ (٣)، فَمَرَّ عُمَرُ -رضي اللَّه عنه-، فَدَعَاهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَأَكَلَ، فَأَصَابَتْ إِصْبَعُهُ إِصْبَعِي، فَقَالَ: حَسِّ (٤)، لَوْ أُطَاعَ فِيكُنَّ مَا رَأَتْكُنَّ عَيْنٌ، فنَزَلَ الحِجَابُ (٥).

قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: وَيُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ قِصَّةِ زَيْنَبَ، فَلِقُرْبِهِ مِنْهَا أُطْلِقَتْ نُزُولُ الحِجَابِ بِهَذَا السَّبَبِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الأَسْبَابِ (٦).


= صَرّح بقوله له -صلى اللَّه عليه وسلم-: -احجب نساءك-، وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب، ثم قَصَدَ بعد ذلك أن لا يُبدِينَ أشخاصهن أصلًا، ولو كنّ مُسْتَتِرَاث، فبالغ في ذلك، فمنع منه، وأذن لهن في الخروج لحاجتهن دفعًا للمشقَّة ورفعًا للحرج.
(١) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الوضوء - باب خروج النساء إلى البراز - رقم الحديث (١٤٦) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب السلام - باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان - رقم الحديث (٢١٧٠) (١٨).
(٢) الحَيْسُ: هو الطعام المُتَّخَذُ من التمر والأقِطِ والسَّمْن. انظر النهاية (١/ ٤٤٩).
(٣) القَعْبُ: هو القَدَح الضخم، الغليظ. انظر لسان العرب (١١/ ٢٣٥).
(٤) حَسِّ: بكسر السين والتشديد: كلمة يقولها الإنسان إذا أصابَهُ ما مَضَّهُ وأحرَقَهُ غَفْلَةً، كالجَمْرَةِ والضَّرْبَةِ، ونحوهما. انظر النهاية (١/ ٣٧٠).
(٥) أخرجه النسائي في السنن الكبرى - كتاب التفسير - باب سورة الأحزاب - رقم الحديث (١١٣٥٥) - والبخاري في الأدب المفرد - رقم الحديث (٨٠٨).
(٦) انظر فتح الباري (٩/ ٤٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>