للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَبَعَثُوا (١) الجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ (٢)، فَأَمَّمْتُ (٣) مَنْزِلِي الذِي كُنْتُ بِهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي، وَقَدْ تَلَفَّفْتُ بِجِلْبَابِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ (٤)


= خِفَّتِها، ويستفاد من ذلك: أن الذين كانوا يرحلون بعيرها كانوا فِي غايَةِ الأدب معها، والمبالغة فِي ترك التنقيب عما فِي الهَوْدَج بحيث أنها لم تكن فيه، وهم يظنُّون أنها فيه، وكأنهم جَوَّزُوا أنها نائمة.
ويحتمل أن تكون أشارت بذلك إِلَى بيان عُذْرِها فيما فعلته من الحرص على العقد الذي انقطع، ومن استقلالها بالتَّفْتِيشِ عليه فِي تلك الحال وترك إعلام أهلها بذلك، وذلك لِصِغَرِ سنها، وعدم تجاربها للأمور بخلاف ما لو كانت ليست صغيرة لكانت تتفطن لعاقبة ذلك، وقد وقع لها بعد ذلك فِي ضياع العقد أَيضًا أنها أعلمت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأمرِهِ، فأقام بالنَّاس على غير ماءٍ حَتَّى وجدته، ونزلت آية التيمم بسبب ذلك، فظهر تفاوت حال من جرب الشيء، ومن لم يجرِّبه.
قلت: كان عُمْرُ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي هذه الغزوة خمس عشرة سنة.
(١) فبعثوا الجَمَل: أي أثاروه. انظر النهاية (١/ ١٣٧).
(٢) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (٩/ ٣٩٦): فإن قيل: لِمَ لَمْ تستصحب عائشة معها غيرها؛ ليكون أدعى لأمنها مما يَقَعُ للمنفرد، ولكانت لما تأخرت للبحث عن العقد تُرسل من رافقها لينتظروها إن أرادوا الرحيل؟
والجواب: أن هذا من جملة ما يستفاد من قولها: "حديثة السن"؛ لأنها لم تقع لها تَجْرِبة مثل ذلك، وقد صارت بعد ذلك إذا خرجت لحاجتها تستصحِبُ، كما سيأتي فِي قصتها مع أم مسطح.
(٣) أَمَّه: أي قصده. انظر النهاية (١/ ٧٠).
(٤) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (٩/ ٣٩٧): يحتمل أن يكون سببُ النَّوم شِدَّةُ الغَمِّ الذي حصل لها فِي تلك الحالة، ومن شأن الغم -وهو وقوع ما يكره- غلبة النوم، أو أن اللَّه سبحانه وتَعَالَى لطف بها، فألقى عليها النوم لتَسْتَرِيح من وحشة الانفراد فِي البرية بالليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>