للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (١) حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ (٢)، يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ.

قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِالذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنَ الوُدِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَهْلُكَ، وَمَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا.

وَأَمَّا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ (٣)، وَإِنْ تَسْأَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ.

قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَرِيرَةَ: فَقَالَ: "أَيْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يُرِيبُكِ؟ ".


(١) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (٩/ ٤٠٧): والعلَّة فِي اختصاص عليٍّ وأسامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: بالمشاورة أن عَلِيًّا كان عنده كالوَلَدِ؛ لأنه ربَّاه من حال صغره ثم لم يُفارقه، بل وازداد اتصاله بتزويج فاطمة، فلذلك كان مخصوصًا بالمشاورة فيما يتعلَّق بأهله لمزيدِ اطِّلاعه على أحواله أكثر من غيره، وكان أهل مشورته فيما يتعلق بالأمور العامَّة أكابر الصحابة كأبي بكر وعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وأما أُسامة فهو كعلي فِي طول الملازمة ومزيدِ الاختصاص والمحبة، ولذلك كانوا يطلقون عليه أنَّه حِبَّ رَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وخصه دون أَبيه وأمه لكونه كان شَابًا كعلي، وذلك أن للشاب من صَفَاء الذهن ما ليس لغيره، ولأنه أكثر جُرأة على الجَوَاب بما يظهر له من المُسِنِّ؛ لأن المُسِنَّ غالبًا يُحسن العاقبة فربما أخفى بعض ما يَظهر له رعاية للقائل تارةً، والمسؤولِ عنه أُخرى، مع ما ورد فِي بعض الأخبار أنَّه استشار غيرهما.
(٢) استلبَثَ الوحيُ: أي أبطأ وتأخَّر. انظر النهاية (٤/ ١٩٤).
(٣) قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (٩/ ٤٠٧): هذا الكلام الذي قاله عليٌّ -رضي اللَّه عنه- حمله عليه ترجيحِ جَانِبِ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما رأى عنده من القلق والغَمِّ بسبب القول الذي قِيل، وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- شديدَ الغَيْرَة، فرأى عليٌّ أنَّه إذا فارقها سَكَنَ ما عنده من القلق بسببها إِلَى أن يتحقق براءَتَها فيمكن رجعتها، ويُستفاد منه ارتكاب أخف الضررين لذهابِ أشدِّهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>