للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالفسَادِ فِي الْأَرْضِ -فِي الْجَاهِلِيَّةِ- إِذْ صَارَتْ هَذِهِ الْحَربُ -فِي الْإِسْلَامِ- جِهَادًا فِي تَحْقِيقِ أَهْدَافٍ نَبِيلَةٍ، وَأَغْرَاضٍ سَامِيَةٍ وَغَايَاتٍ مَحمُودةٍ، يَعْتَزُّ بِهَا الْمُجْتَمَعُ الْإِنْسَانِيُّ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، فَقَدْ صَارَتِ الْحَربُ جِهادًا فِي تَخْلِيصِ الْإِنْسَانِ مِنْ نِظَامِ القَهْرِ وَالْعُدْوَانِ، إِلَى نِظَامِ الْعَدَالَةِ وَالنَّصَفِ، مِنْ نِظَامٍ يَأْكُلُ فِيهِ القَوِيُّ الضَّعِيفَ، إِلَى نِظَامٍ يَصِيرُ فِيهِ الْقوِيُّ ضَعِيفًا حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ، وَصَارَتْ جِهَادًا فِي تَخْلِيصِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} (١)، وَصَارَتْ جِهَادًا فِي تَطْهِيرِ أَرضِ اللَّهِ مِنَ الْغدرِ وَالْخِيَانَةِ وَالْإِثْمِ وَالْعُدوَانِ إِلَى بَسْطِ الْأَمنِ وَالسَّلَامَةِ وَالرَّأْفَةِ وَالرَّحمَةِ، وَمُرَاعَاةِ الْحُقُوقِ وَالْمُرُوءَةِ.

كَمَا شَرَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِلْحُرُوبِ قَوَاعِدَ شَرِيفَةً أَلْزَمَ التَّقَيُّدَ بِهَا عَلَى جُنُودِهِ وَقُوَّادِهِ، وَلَمْ يَسْمَح لَهُمْ بِالْخُرُوجِ عَنْهَا بِحَالٍ.

رَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ بُرَيْدةَ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: "اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا (٢)، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا (٣)، وَلَا تَقْتُلُوا وَليدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ


(١) سورة النساء آية (٧٥).
(٢) الْغُلُولُ: هو الْخِيَانَةُ في الْمَغْنَمِ، والسرِقَةُ من الغنيمة قبل القسمة. انظر النهاية (٣/ ٣٤١).
(٣) مُثّل بالْقَتِيلِ: إذا قَطَعَ أَنْفَهُ، أو أُذنهُ، أو مَذَاكِيرَهُ، أو شيئًا من أطرافه. انظر النهاية (٤/ ٢٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>