للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ أَنْشَأَ طَائِفَةً كَبِيرَةً مِنَ الْقُوَّادِ، الذِينَ لَاقُوا بَعدَهُ الْفُرسَ وَالرُّومَانَ فِي مَيَادِينِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ، فَفَاقُوهُمْ فِي تَخْطِيطِ الْحُرُوبِ وَإِدَارَةِ دَفَّةِ الْقِتَالِ، حَتَّى اسْتَطَاعُوا إِجْلَاءَهُم مِنْ أَرضِهم وَدِيَارِهم وَأَموَالِهِمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ.

وَاسْتَطَاعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِفَضْلِ هَذِهِ الْغَزَوَاتِ، أَنْ يُوَفِّرَ السُّكْنَى وَالْأَرضَ وَالْحِرَفَ وَالْمَشَاغِلَ لِلْمُسْلِمِينَ، حَتَّى قَضَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مَشَاكِلِ اللَّاجِئِينَ الذِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ وَلَا دَارٌ، وَهَيَّأَ السِّلَاحَ وَالْكُرَاعَ (١) وَالْعُدَّةَ وَالنَّفَقَاتِ، حَصَلَ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومَ بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنَ الظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ وَالْبَغْي وَالْعُدوَانِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ.

وَقَدْ غَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ بِهَا أَغْرَاضَ الْحُرُوبِ وَأَهْدَافَها التِي كَانَتْ تَضْطَرِمُ (٢) نَارُ الْحَربِ لِأَجْلِها فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَيْنَمَا كَانَتِ الْحَربُ عِبَارَةً عَنِ النَّهْبِ، وَالسَّلْبِ، وَالْقَتْلِ، وَالْإِغَارَةِ، وَالظُّلْمِ، وَالْبَغْي، وَالْعُدوَانِ، وَأَخْذِ الثَّأْرِ، وَالفوْزِ بِالْوَتْرِ (٣)، وَكَبْتِ (٤) الضَّعِيفِ، وَتَخْرِيبِ الْعِمرَانِ، وَتَدمِيرِ الْبُنْيَانِ، وَهَتْكِ حُرُمَاتِ النِّسَاءَ، وَالقَسْوَةِ بِالضِّعَافِ وَالْوَلَائِدِ وَالصِّبْيَانِ، وَإِهْلَاكِ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ، وَالْعَبَثِ


(١) الكُرَاعُ: بضم الكاف: اسمٌ لجميعِ الْخَيْلِ. انظر النهاية (٤/ ١٤٣).
(٢) اضْطَرَمَتْ: اشْتَعَلَتْ والْتَهبَتْ. انظر لسان العرب (٨/ ٥٦).
(٣) الْوَتْرُ: الْجِنَايَةُ التي يَجْنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبي. انظر لسان العرب (١٥/ ٢٠٥).
(٤) الْكَبْتُ: كَسْرُ الرَّجُلِ وإِخْزَاؤُهُ. انظر لسان العرب (١٢/ ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>