وَقَعَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَغَزْوَةِ حُنَيْنٍ إِلَّا مِنْ بَعْضِ الضَّعفِ فِي أَفْرَادِ الْجَيْشِ -كَمَا فِي حُنَيْنٍ- أَوْ مِنْ جِهةِ مَعصِيَتهم أَوَامِرَهُ، وَتَركِهِمُ التَّقَيُّدَ وَالِالْتِزَامَ بِالْحِكْمَةِ وَالْخُطَّةِ اللَّتَيْنِ كَانَ أَوْجَبَهُمَا عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ الْوِجْهةُ الْعَسْكَرِيَّةُ -كَمَا فِي أُحُدٍ-.
وَقَدْ تَجَلَّتْ عَبْقَرِّيتهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي هَاتَيْنِ الْغَزْوَتَيْنِ عِنْدَ هَزِيمَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ ثَبَتَ مُجَابِهًا لِلْعَدُوِّ، وَاسْتَطَاعَ بِحِكْمَتِهِ الفذَّةِ أَنْ يُخَيّبَهُم فِي أَهْدَافِهِم -كَمَا فَعَلَ فِي أُحُدٍ- أَوْ يُغَيِّر مَجْرَى الْحَرْبِ حِتَّى ولبدِّلَ الْهزِيمَةَ انْتِصَارًا -كَمَا فِي حُنَيْنٍ- مَعَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّطَوُّرِ الْخَطِيرِ، وَمِثْلَ هَذِهِ الْهزِيمَةِ السَّاحِقَةِ تَأْخُذَانِ بِمَشَاعِرِ الْقُوَّادِ، وَتَتْرُكَانِ عَلَى أَعصَابِهِم أَسْوَأَ الأَثَرِ، لَا يَبْقَى لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا همُّ النَّجَاةِ بِأَنْفُسِهِمْ.
هَذِهِ مِنْ نَاحِيَةِ الْقِيَادَةِ الْعَسْكَرِيَّةِ الْخَالِصَةِ، أَمَّا مِنْ نَوَاحٍ أُخْرَى، فَإِنَّهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- اسْتَطَاعَ بهذِهِ الْغَزَوَاتِ وَالسَّرَايَا فَرضَ الْأَمنِ وَبَسْطَ السَّلَامِ، وإِطْفَاءَ نَارِ الْفِتْنَةِ، وَكَسْرَ شَوْكَةِ الْأَعدَاءِ فِي صِرَاعِ الْإِسْلَامِ وَالْوَثَنِيَّةِ، وَإِلْجَاءَهُم إِلَى الْمُصَالَحَةِ، وَتَخْلِيَةِ السَّبِيلِ لِنَشْرِ الدَّعوَةِ، وَقَدْ أُرِيقَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْغَزَوَاتِ وَالسَّرَايَا أَقَلُّ دَمٍ عُرِفَ فِي تَارِيخِ الْحُرُوبِ وَالْغَزَوَاتِ، فَلَمْ يَتَجَاوَزِ الْقَتْلَى كُلُّها (١٠١٨) قَتِيلًا مِنَ الفَرِيقَيْنِ.
كَمَا اسْتَطَاعَ رَسُولُ اللَّهِ هو أَنْ يَتَعَرَّفَ مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الْغَزَوَاتِ عَلَى الْمُخْلِصِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَمِمَّنْ يُبْطِنُ النِّفَاقَ، وَيُضْمِرُ (١) نَوَازِعَ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ،
(١) أَضْمَرْتُ الشيءَ: أَخْفَيْتُهُ. انظر لسان العرب (٨/ ٨٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute