للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفِي هَذَا تَحْذِيرٌ لِلْعُلَمَاءِ أَنْ يَسْلُكُوا مَسْلَكَهُمْ فيصِيبَهُمْ مَا أصَابَهُمْ، ويُسْلَكَ بِهِمْ مَسْلَكَهُمْ، فَعَلَى العُلَمَاءِ أَنْ يبذُلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ العِلْمِ النَّافِعِ، الدَّالِّ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ، وَلَا يَكْتُمُوا مِنْهُ شَيْئًا، فَقَدْ وَرَدَ في الحَدِيثِ المَرْوِيِّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فكتَمَهُ، أُلْجِمَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ" (١).

وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ في شَرْحِ مُشْكِلِ الآثارِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي اللَّه عنه- لِفِنْحَاصٍ (٢) -وكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ اليَهُودِ وأحْبَارِهِمْ-: اتَّقِ اللَّه وَأَسْلِمْ، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، جَاءَكُمْ بِالحَقِّ مِنْ عِنْدِهِ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ في التَّوْرَاةِ والإِنْجِيلَ. فَقَالَ فِنْحَاصٌ: يَا أبَا بَكْرٍ، وَاللَّهِ مَا بِنَا إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فَقْرٍ، وإنَّهُ إلَيْنَا لَيَفْتَقِرُ، وَمَا نتضَرَّعُ إِلَيْهِ كَمَا يتضَرَّعُ إلَيْنَا، وَإِنَّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاءُ، ولَوْ كَانَ عَنَّا غَنِيًّا لمَا اسْتَقْرَضَنَا أمْوَالَنَا كَمَا يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ (٣)، يَنْهَاكُمْ عَنِ الرِّبَا ويُعْطِينَاهُ! ولَوْ كَانَ عَنَّا غَنِيًّا مَا أعْطَانَا الرِّبَا.


(١) هذا الحديث أخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (٧٥٧١) - وابن ماجه في سننه في المقدمة - باب من سُئِلَ عن علمٍ فكتمه - رقم الحديث (٢٦٦) - وإسناده صحيح - وانظر كلام الحافظ ابن كثير في تفسيره (٢/ ١٨٠).
(٢) قال الحافظ في الفتح (٧/ ٦٩٥) بعد أن سرد عددًا من رؤساء اليهود، ومن بينهم: فِنْحاص، قال: فهؤلاء لم يثبت إسلام أحدٍ منهم.
(٣) صَاحِبُكُمْ: أي الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم-.

<<  <  ج: ص:  >  >>