إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله، أما بعد:
فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: فإن علم الرجال؛ علم اختص الله به هذه الأمة، دون سواها من الأمم، فلا يستطيع أحد - من غير هذه الأمة - أن يذكر لنبيه حديثًا مسندًا، بل ولا حتى أن يذكر إسنادًا لكتابه الذي أنزله الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ أما هذه الأمة، فإن الله قيض لها هذا العلم، واصطفى له رجالًا في كل عصر ومِصر، ينفون عنه وضع الوضَّاعين، وكذب الكاذبين، ووهم الواهمين، وخطأ الخاطئين.
ولما كان عصر الرواية قد انقضى ودُوِّنَ في الكتب؛ فإن على الباحث - في هذه الأيام - أن ينظر في تلك الكتب، ويبحث فيها؛ لمعرفة من تقبل روايته ممن ترد؛ إما بتصريح أحد الأئمة الأعلام بذلك، وإما بالبحث والسبر والنظر في روايات الراوي، ومن روى عنه من الأئمة والثقات، وشروطهم في كتبهم التي خرجوا لهؤلاء الرواة فيها.
وقد نال قصب السبق في هذا - في هذا العصر - الشيخ الهمام، أسد السنة، الإمام الألباني - رحمه الله تعالى -، فإن الله تعالى اصطفاه في هذا العصر لبيان صحيح الأحاديث من ضعيفها، فألف وحقق وخرَّج، وكان من فضل الله عليه أن أمده الله بطول العمر، مع الجلد والصبر ساعات وساعات على البحث، فترك خلفه تراثًا ضخمًا، وكمًا كبيرًا من الكتب والأشرطة، ومما زاد في ذلك؛ أن يسر الله له المكتبة الظاهرية في دمشق - الأسد الوطنية حاليًا -، وهي مكتبة زاخرة، عامرة بالمخطوطات الكثيرة والثمينة، فلازمها كأحد موظفيها، بل أكثر، فعرف ما فيها مما لم يعرفه موظفوها أنفسهم، ونسخ بعض