والمعنى أنكم غير مأمورين بالتجسس والتنصص فإنه يورث الوسوسة والحرج في الدين، وإنما عليكم بما أمرتم به من التسمية عموا ولو كان الذابح مؤمنًا أو كتابيّا أو يسميه غيره، قال ابن الملك في (شرح المشارق): ليس معناه: أن تسميتكم الآن تنوب عن تسمية المذكي، بل فيه بيان أن التسمية مستحبة عند الأكل، وإنما لم يعرفوا ذكر اسم الله عليه عند ذبحه يصح أكله، إذا كان الذابح ممن يصح أكل ذبيحته، حملًا لحال المسلم على الصلاح، انتهى. قال: أي: مالك كما ليحيى: وذلك أي: جواز الأكل مع التسمية باللحم لمَ ذَبَحَهُ بذكر اسم الله عليه، في أول الإِسلام, وهذا قد يوهم نسخ ما فيه من الأحكام وليس كذلك كما لا يخفى على العلماء الأعلام هذا الحديث مرسل، لكن اختلف في حد الحديث المرسل، فالمشهور أنه ما رفعه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سواء كان من كبار التابعين كعبيد الله بن عدي بن الخيار، وقيس بن أبي حازم، وسعيد بن المسيب وأمثالهم، أو من صغار التابعين كالزهري، وأبي حازم، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأشباههم، والقول الثاني: أنه ما رفعه التابعي الكبير إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهذه الصورة لا خلاف فيها كما قاله ابن الصلاح، وأما مراسيل صغار التابعين، فإنها لا تسمى مرسلة على هذا القول، بل هي منقطعة كما نقله عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن العراقي في (شرح الألفية)، عن ابن عبد البر الأجهم.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما أرسله عروة بن الزبير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو قولُ أبي حنيفة، إذا كان الذي يأتي بها، أي: بتلك اللحوم, وفي نسخة: بذلك مسلمًا أو من أهل الكتاب، أي: يهوديا أو نصرانيا أو كان حربيا وصار كتابيا، فإن أتى بذلك مجوسي أي: عابد نار، وفي معناه الوثني وهو عابد الصنم والمرتد، فذكر أن مسلمًا ذبحه أو رجلًا من أهل الكتاب أي: ذبحه، لم يصدّق، أي: فيما ذكره المجوسي، ولم يؤكل بقوله، أي: لأنه ليس من أهل الديانة، بل من أرباب الخلابة والخداعة والخيانة، والله أعلم.
لما فرغ من بيان حكم حال الرجل يشتري اللحم ويشك بأنه ذبح بذكر اسم الله عليه أو ترك عمدًا، شرع في بيان حكم الصيد يصيده الكلب المعلم، فقال: هذا