قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: نقول كلّ ذلك أي: ما ذكر من الأمرين مكروه أي: كراهة التحريم لما يترتب عليه من الضرر العظيم؛ فإن النهي يقتضي صفة القبح للمنهي عنه ضرورة حكمة الناهي، قال الله تعالى في سورة العنكبوت:{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت: ٤٥] كذا قاله في المنار.
فأما النَّجَش: فالرجل يحضر أي: في السوق ونحوه فيزيد في الثمن، أي: في ثمن المبيع من غير ميل له إلى شرائه ويعطي فيه أي: من الثمن ما لا يريد أن يشتري به، أي: حقيقة ليسمع بذلك غيره، فيشتري أي: الغير على سَوْمه، فيغتر بقوله زعمًا منه أنه يريده فيأخذه به أو يزيده فهذا ما لا ينبغي أي: لما ورد "لا ضرر ولا ضرار"، "ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، "ومن غشنا فليس منا".
وأمَّا تلقِّي السلع: فكل أرض كان ذلك أي: التلقي يضر بأهلها فليس ينبغي أن يفعل ذلك بها أي: لما تقدم من الضرر بالعامة فإذا كثرت الأشياء بها أي: في الأرض حتى صار ذلك أي: التلقي لا يضر بأهلها فلا بأس أي: فلا كراهة بذلك أي التلقي إن شاء الله تعالى وإنما استثنى احتياط في حكم الله تعالى، كما يقال في آخر الفتوى: والله سبحانه أعلم. كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان كراهة استقبال المتاع خارج البلد قبل دخوله فيه لبيعه فيه بزيادة الثمن وبيان كراهة النجش، وهو أن يزيد الرجل ثمن المبيع، ولا يريد شراءه ليرغب المشتري بشرائه، شرع في بيان مشروعية السلم، فقال: هذا
* * *
باب الرجل يُسْلم فيما يُكال
في بيان حكم الرجل يسلم، أي: يسلف والسلم في اللغة: تقديم قيمة الشيء كذا قاله محمد الواني، وقال السيد الشريف محمد الجرجاني: وهو في اللغة: التقديم والتسليم، وفي الشرع: اسم العقد يوجب الملك في الثمن عاجلًا، وفي المثمن آجلًا فالمبيع يسمى مسلمًا فيه، والثمن رأس المال والبائع مسلمًا إليه والمشتري رب السلم. انتهى فيما أي: شيء يكال مجهول يكيل فيما يكال كلمة "في" للظرف المكاني. قال تعالى: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} [الروم: ١ - ٣] , كذا قال ابن هشام في (مغني اللبيب)