للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: والله ما نعلم كل ما تسألونا عنه، ولو علمنا ما كتمناه، ولا يحل لنا أن نكتم، ولأن يعيش الرجل جاهلًا بعد أن يعرف حق الله تعالى، خيرٌ له من أن يقول ما لا يعلم.

وقال له أعرابي: أنت أعلم أم سالم، أي: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ذاك منزل بنا، لم يزده عليها، كره أن يقول: هو أعلم مني فيكذب، أو يقول: أنا أعلم منه فيزكي نفسه. واجتمعوا عليه في صَدَقَةٍ قسَّمها وهو يصلي، فجعلوا يتكلمون، فقال ابنه: والله ما نال منها درهمًا ولا دانقًا؛ فأوجز في صلاته، ثم قال: يا بني قل فيما تعلم، وصدَّق ابنه، ولكنه أراد تأديبه في المنطق وحفظه.

وقال لابنه حين مات: سن عليَّ التراب سنًا، وسوي عليَّ قبري، والحق بأهلك وإياك أن تقول كان. وهو كان في الطبقة الثانية من أهل المدينة، وهي في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة كما قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي من علماء الحنبلية في (طبقاته).

لما فرغ من بيان صلاة الجمعة شرع في بيان صلاة العيدين، وأمر الخطبة فيهما، فقال: هذا

* * *

[باب في بيان أحكام صلاة العيدين وبيان أمر الخطبة]

أي: حكمها، قدم باب صلاة الجمعة على باب صلاة العيدين لشرفها؛ فإن صلاة الجمعة فرض بدليل قطعي، وصلاة العيدين واجبة بدليل ظني، سُمي عيدًا؛ لأن لله تعالى عوائد الإِحسان إلى عباده، أو لأنه يعود ويتكرر كل عام، أو لأنه يعود بالفرح والسرور، وهو من الأسماء الغالبة على يوم الفطر والأضحى، وجمعه: أعياد، وقياسه أن يقال: أعواد؛ لأنه من العود لكن جمع بالياء فرقًا بينه وبين العَوْد؛ فإنه يجمع على عيدان وعود الله، فإنه يجمع على أعواد، ووجه المناسبة بين صلاة العيدين وصلاة الجمعة؛ لأن كلًا منهما صلاة نهارية، وتؤديان بالجمع العظيم، ولكون القراءة فيهما جهرًا، ويشتركان أيضًا في حق التكليف، وفي إضافة الصلاة إلى العيدين تعظيم لشأن صلاة العيدين، كما عظم الله تعالى بعباده بإضافتهم إلى نفسه، حيث قال في سورة الزمر: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية [الزمر: ٥٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>